محمد مسعود يكتب: صفعة «الحشاشين» الدرامية
محمد مسعود
منذ أن أعلنت الشركة المتحدة فى العام الماضى عن إنتاج مسلسل «الحشاشين»، للكاتب الكبير عبدالرحيم كمال، والمخرج الموهوب بيتر ميمى، وأنا فى انتظار مشاهدة هذا العمل، كان لدىَّ من اليقين ما يؤكد أننا سنشاهد عملاً غير مسبوق فى تاريخ الإنتاج الدرامى المصرى منذ نشأة الدراما التليفزيونية فى بداية ستينات القرن الماضى.
والحقيقة أننى تساءلت: كيف لى أن أنتظر «عملاً فنياً» على أحرّ من الجمر؟، وأنا الذى وُلدت ونشأت وصادقت مبدعين فى عصور الدراما الذهبية، شاهدت العرض الأول لـ«الشهد والدموع» و«سفر الأحلام» و«رأفت الهجان» و«ليالى الحلمية»، وحضرت أياماً من تصوير روائع الدراما المصرية، وجالست العظماء أسامة أنور عكاشة ومحسن زايد وصفاء عامر ويسرى الجندى ومحمد فاضل وإسماعيل عبدالحافظ، ومجدى أبوعميرة، ورباب حسين، وشاهدت أعمالهم وأوج نجاحهم وكنت شاهداً لها وعليها، وألفت كتابين وثَّقت بهما خمسين مسلسلاً من كلاسيكيات الدراما التليفزيونية، كيف أجدنى منتظراً ماذا سيقدَّم فى مسلسل «الحشاشين»؟! ولم أكن أعلم أهو شىء من الفضول، أم رغبة ورجاء فى إعلان بدء عصر ذهبى جديد للدراما المصرية؟
والحمد لله، لم يخِبْ ظنى، وأنصف صُناع العمل توقعى، وربما رجائى، بأن تقدم مصر عملاً يكون كفيلاً بإعلان عودة ريادتها الدرامية المستحقة على مر العصور، وبشكل كامل، لا تشوبه الحسابات أو العثرات التى مرت على الصناعة فى بضع سنين، غير أن العمل واصل التأكيد على أن رحم الإبداع المصرى قادر على الإنجاب فى كل العصور، ولعل كاتباً كبيراً موهوباً فى حجم عبدالرحيم كمال، يمكننا خلال سنوات أن نضعه فى مصاف عظماء الكلمة فى الدراما التليفزيونية، وربما يتفوق على بعضهم بالفعل، علاوة على مخرج شاب، أقولها بملء فمى أنه لا يقل عن أى مخرج عالمى هو المخرج بيتر ميمى، أما عن كريم عبدالعزيز فهو أهم ممثل مصرى بحسابات الأرقام فى شباك التذاكر، وحسابات المحبة فى القلوب.
وبعد عرض ثلاث حلقات فقط من المسلسل -قبل كتابة هذه السطور- ما يمثل 10% فقط من عدد حلقاته، يمكننا أن نؤكد من خلال ردود الفعل التى صاحبت عرضه أن المسلسل صفعة قوية نزلت على وجوه المتطرفين، بعرض تاريخ جماعة إرهابية تمارس الاغتيالات السياسية، وتقوم على نظام السمع والطاعة، غير أنهم لم يجدوا أى وسيلة للنقد أو التشكيك، فتفتقت أذهانهم وتمخضت عقولهم فأنجبت فكرة انتقاد العمل لأن حواره بالعامية المصرية، وجاءت أغلب التعليقات على النحو التالى: «كان يجب أن يكون الحوار باللغة العربية الفصحى»، رغم أن بعضهم قد لا يفهمها من الأساس!
منذ سنوات ليست بعيدة، قدمت إيران مسلسلاً عن قصة نبى الله يوسف عليه السلام، وكان الأمر محسوماً منذ البداية، أن العمل سيتم تقديمه باللغة الفارسية، ووقتها تهلل من يعارض الآن وتحدَّثوا عن عظمة المسلسل وثراء التجربة، وعبقرية وبذخ الإنتاج، ونقاء الصورة وحلاوة الكادر، لكن عندما تقدم مصر مسلسل «الحشاشين» بالعامية المصرية كلهم يتأففون وكأن العامية المصرية سُبة على جبينهم.
والحقيقة أن ردود الفعل الغاضبة أكدت لى أن الفن أو السلاح الناعم غالباً ما يكون أشد فتكاً فى معارك المتطرفين الخشنة التى لا تخلو من التخوين والتآمر والإرهاب وإراقة الدماء على مر العصور، ولعل ما زاد من فاعلية السلاح الناعم الفتاك -وفى موسم رمضانى واحد- وجود برنامج دينى «نور الدين» لمولانا فضيلة الشيخ على جمعة، يزيح أستار الليل وأفكار الظلام عن عقول المصريين، ولعل المشهد الأكثر رعباً للمتطرفين والمتشددين كان جلوس مولانا وأمامه أطفال فى عمر الزهور، ليبدو كرسالة واضحة أن «نور الدين» أُنتج ليزيح ظلامهم، وكما قدّم قطاع الدراما «الحشاشين» قدّم قطاع البرامج «نور الدين» كشفاً عن قبح الماضى المتطرف فى مسلسل، ولإنقاذ عقول الأجيال القادمة من اللعب بأفكار ظلامية وحشو عقولهم بها. نعود إلى الحشاشين حتى لا نخرج عن سياق المقال، لكن كان لا بد من الإشارة والإشادة بجمع المسلسل والبرنامج فى موسم واحد.
فى الحلقة الأولى من مسلسل «الحشاشين» وقع حسن الصباح -صبياً- فى بئر، وظل يستغيث إلى أن جاءت إليه من تنقذه قائلة ستختار النور أم الظلام؟ وعندما لم يرد قالت له «قل هختار الظلام»؟، واختار حسن الظلام، وعلى ذلك كان سيره ونهجه وعمله، جماعة سرية.