الست لما جوزها يحب يجيبلها إحباط: يا نكدية انتي من إمتى بتفهمي؟!
«الكلمة الطيبة صدقة»، عبارة لم تجد طريقها مع كثيرات من النساء اللاتى تعرّضن للأذى النفسى بكلمات موجعة وصادمة أو سخرية واستهزاء تصل إلى حد التوبيخ من أقرب الناس إليهن، قد تأتيهن الكلمات اللاذعة من أقاربهن وذويهن، لكن أسوأها على الإطلاق هى تلك التى تأتيها من زوجها، ليصبح الألم حليفها مع رحلة قاسية من العذاب النفسى، أو ما يُعرف باسم «العنف المعنوى».
«أنتِ من إمتى بتفهمى؟» كلمات أطلقها الزوج فى وجهها بصرخة أرعبت صغارها، الذين سارعوا بالخروج من الغرفة، ملأت الدموع عينيها حينما واجهته «وانت من إمتى بتشوفنى بافهم أو ليا لازمة فى حياتك؟»، يكمل صراخه وهو فى اتجاهه إلى خارج المنزل «طول عمرك نكدية»، تتذكر شريط حياتها الزوجية منذ 25 عاماً، تختبئ خلف أحرف اسمها الأولى «ر. أ»، لم تعرف كيف تحملت كل هذه السنين التى لم تشعر يوماً بأنها شريكة حياة لزوجها، كجزيرتين مبتعدتين فى نفس المحيط، «لا» التى كانت تتصدّر معظم ردوده على طلباتها، حتى فى أبسط حقوقها من رؤية أهلها، «ر. أ» كانت تعمل فى إحدى الشركات الكبرى فى مركز مرموق، لها حياتها الاجتماعية والاقتصادية المستقلة، اعتاد أن يقلل من شأن دورها الذى تنازلت عنه فى سبيل رضائه «أنتِ فاكرة إن شغلك ده كان شغل»، تخرج الكلمات بنبرة حزن دفين «أنا آخر من يعلم» قالتها بـ«كسرة نِفس»، فهو لم يشاركها حياته الشخصية، لا تعرف ذمته المالية ولا تطلع على أسراره الدقيقة، تحتبس دموعها «أنا لو كنت باشتغل ماكنتش استحملت كل السنين دى»، الوقت الذى مضى من عمرها تخدمه وأهله وأطفالهما، كانت تتمنى أن يكون مثالاً لوالدها الذى ظل يحمل الود والاحترام والعِشرة، حتى بعد وفاة والدتها، كانت ترى والديها مثالاً لعلاقة الزواج الناجحة.
لم يختلف الحال كثيراً مع «م. ج»، إذ لا يستمع إليها أحد، فكان والدها ضيق الخلق وصعب الطباع، لا يسمح لها بالتعبير عن رأيها، فإذا أرادت أن تبدى رأيها فى أى مشكلة متعلقة بأسرتها، يأتيها الرد «مين سألك عن رأيك؟!»، أما «ن. أ» فلديها أخان يكبران عنها «آخر العنقود ليست سكر معقود»، منذ أن سافر والدها للعمل فى الخارج، ترك لهما المساحة لكى يتحكما فى أختهما الصغرى «ماعنديش مكان ليا لوحدى ولا حتى فيس بوك خاص بيا».
تقول هدير الشرقاوى، المدير التنفيذى لمركز «أنثى» لدعم قضايا المرأة، إن العنف المعنوى أو النفسى نوع من أنواع العنف الذى تواجهه الفتيات فى أسرها مثل الأب أو الأخ أو الخال أو العم. وتضيف آسفة: «لا يعترف القانون فى مصر بالعنف الجسدى، فما الحال مع النفسى، مضيفة أن مركز «أنثى» يعمل حالياً على سن قوانين واضحة ضد العنف بأشكاله من خلال تنظيم حملة للضغط وتوعية الأهل.
وأشارت «هدير» إلى أنها بحكم عملها قابلت العديد من الحالات التى تعانى من أشكال العنف المعنوى، تبدأ برصد ومراقبة تحركاتها مع التوبيخ المستمر، والتقليل من شأنها وقُدراتها، «إنها ماتقدرش تعمل حاجة علشان هى مش ولد»، والكثير من هؤلاء الفتيات يتعرّضن لأزمات نفسية أقلها عدم الثقة بالنفس الذى يمكن أن يتطور إلى حالة من الإحباط قد تصل إلى الانتحار.
من ناحية أخرى، كان تقرير «ريادة الأعمال النسائى السنوى» للباحثة دينا أيمن، ماجستير ريادة أعمال جامعة «أسكس» البريطانية وممثلة عن حملة «أنتى الأهم»، كشف أن سيدات الأعمال تصل نسبتهن من 4 إلى 14 من بين رجال الأعمال، حيث أجرت «دينا» حواراً تفاعلياً على 50 سيدة أعمال مصرية من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية، اللاتى اتفقن على عائق أساسى فى الاستثمار فى أى عمل تجارى مربح، «غياب الدعم المعنوى» من قبَل الزوج، فقالت إحداهن «زوجى غير متفهم عملى»، فيما عبّرت أخرى «ستكون الدنيا أبسط كثيراً إذا تفهم زوجى أنى أريد أن يكون لى كيان مستقل ومنتج خارج إطار المنزل»، وحوالى 30% من العينة عزفن عن الزواج أو فضلن الطلاق بسبب تخييرها بين العمل أو المنزل.
وأوضحت الكاتبة الصحفية ناهد حمزة، أن الكثيرات من النساء اعتدن التعرض للعنف المعنوى، وهو أشد ألماً من العنف البدنى، حتى على مستوى العمل من خلال مرؤوسيهن، وهو ما يحدث بأشكال مختلفة، مؤكدة أساليب التربية فى الالتزام بالقواعد والمبادئ الأساسية من الاحترام، ومراعاة شعور الآخرين والمساواة بين البنت والولد.
وأكدت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن العنف بأنواعه من الثقافة المستقرة فى وجدان المجتمع الذكورى المصرى، حيث تعوّدت السيدات أن تكون درجة ثانية تتنازل عن حقوقها ورغباتها، فتكون غير واثقة من نفسها والشعور بالإحباط وصراعات وآلام نفسية، فإن كانت هذه المرأة مؤهلة اجتماعياً وثقافياً وتعليمياً، فتكون أكثر تصميماً للحصول على حقوقها والاستقلال بنفسها، وفى حالة أن تكون التى تتعرّض للعنف المعنوى غير مؤهلة اجتماعياً ومادياً، يمكن أن يولد لديها الكثير من الأمراض النفسية، كالاكتئاب والإحباط بسبب الشعور بالضعف والانكسار، وتفريغ طاقتها السلبية وأوجاعها أثناء تربيتها أولادها، بينما فى بعض الحالات التى يكون لديها استعداد للأمراض الذهنية مثل الفصام الذهنى وغيرها من الاضطرابات التى تحتاج إلى عقاقير وأدوية لعلاجها.