محمد نبيل يكتب: «بدون سابق إنذار».. بين رمادية الشخصيات وصناعة الدهشة
محمد نبيل
على الرغم من عدد أعماله القليلة، والفروق الزمنية الكبيرة بينها سواء قهراً أو طواعية، فإنه دائماً ما يولى للجودة قدسيتها، المخرج هانى خليفة الذى قدم على مدار ربع قرن عدداً محدوداً من المسلسلات والأفلام، يطل علينا هذا العام «بدون سابق إنذار»، ويؤكد أنه أحد أمهر حكّائى الدراما المصورة، خاصة تلك التى تشتبك مع العلاقات الأسرية. قصة تميل للميلودراما تتخذ على يدى هذا المخرج الموهوب طريقاً عميقاً من الرمادية، والتوازن، وتنبض بالشخصيات باستخدام تشويق ماهر للأحداث، وتوجه اختياراتنا خلف الشاشات للمشاعر والمخاوف التى يمر بها الأبطال، تترك مساحة وافرة للتأمل والدهشة مستندة على تتابع متماسك للحلقات وصلابة الخطوط العامة.
هو إحدى مفاجآت دراما رمضان هذا العام من دون شك، بالرغم من عدم شموله على عدد كبير من الأسماء اللامعة من نجوم الشباك، لكن اختيار الممثلين وإدارتهم تتم بالتوازى مع قراءة يقظة وذائقة مرهفة، تخرج بكل حلقة بأكثر من صدمة، وتعيد لنا التفكير فى مصائر هذه الشخصيات أبطال الرواية، لم يعيشوا حياة هادئة ولكنهم أقرب لنا، لديهم تجارب مختلفة، ومروا بالعديد من الاختبارات التى شكلت رأيهم، ولكل منهم أسراره وجانبه غير المرئى.
حرفة السيناريو وتعقيداته يلقيان بظلالهما على نضج الدراما وجاذبيتها، سواء فى عدم توقع ما سيحدث، أو تعرض الشخصيات للاختبارات طوال الوقت، خاصة من المحيط الأقرب لهم، مع عدم التركيز على بطلى الأفيش آسر ياسين وعائشة بن أحمد، ولكن الإخلاص لطرفى الصراع على الجانب الآخر، أحمد خالد صالح وجهاد حسام الدين، والطفل سليم يوسف، جميعهم وأغلب الشخصيات المساعدة تم إدارتهم بشكل جيد ومثير للانتباه.
المسلسل الذى يوجّه تحية خاصة للراحلة أنيسة حسونة ترك البراح للخروج من الاستديوهات بالقاهرة إلى شوارع محافظة الإسماعيلية، وهى ميزة أخرى فى طرق أماكن تصوير جديدة وكسر القالب التقليدى واكتشاف رؤية ثرية، تتماشى مع تميز وغنى شكل العمل الفنى، واهتمامه باللغة البصرية جنباً إلى جنب مع تقابل الأحداث وسرعتها دون الاعتماد فقط على ترك السر الأكبر إلى نهاية كل حلقة لضمان استمرارية المشاهدة.
الطفل المصاب بسرطان الدم ليس الابن البيولوجى للأبوين، موقف مربك للغاية يمكن أن تواجهه أى عائلة اتجاه صغيرهم، هنا تبدأ رحلة البحث عن الحقيقة، وتنكشف أسرار الماضى وخلفيات الأبطال، ودوافعهم مع مرور السنوات.
على الجانب الآخر معركة لا تقل تميزاً، يخوضها شقيق البطل مع زوجته، قرارات أسرية ومهنية متهورة ومندفعة تقود إلى الطلاق ومن ثم وقوف كل منهما أمام مَحكمة المُشاهدين، هل يمكننا أن ندين الزوجة فى محاولاتها الدفاع عن مصالح أبنائها من قرارات زوجها الطائشة، وكيف يعصف تفاوت المستوى الاجتماعى بين طرفى الزواج آجلاً أو عاجلاً، مشاعر ممزوجة بالحيرة والتحدى يتبادلها الطرفان والحكم على صحتها المطلقة من أصعب ما يمكن، عشرات التساؤلات تقفز هنا دون أن نبتعد عن وهج قصة العمل أو يخفت اهتمامنا بها.
ينتصر السيناريو والمخرج لنهى (جهاد حسام الدين) والتى تقدم أفضل أداء لها على الشاشة، كما يخص شخصية ليلى (عائشة بن أحمد) بعديد المشاهد المؤثرة، تحبس دموعها الملتهبة دون صراخ، تتصاعد فيها درجات من الغليان والوهن الداخلى فى أعماقها.
مونتاج المسلسل لم يوفق فى أكثر من قطع حاد لنهاية المشاهد، أحياناً يفسخ علاقتنا ويشتت مشاعرنا نحو ما يحدث، فى مقابل جمل موسيقية صادقة، بعيدة عن الابتزاز العاطفى الرخيص، وأداء متمكن لـ(آسر ياسين) ينقل لوعة الأب وتمزق أفكاره، وتناثر تعبيراته من النقيض إلى النقيض دون أى يلجأ إلى العويل أو المغالاة.