قدم حزب النور السلفى إلى وزير التعليم رؤيته لتطوير التعليم، وهو الأمر الذى قوبل من جانب المجتمع بعاصفة من الاستهجان والتعجب والتخوف أيضاً، لا سيما فى ضوء مواقف حزب النور المعلنة والمعادية لثقافة جموع المجتمع المصرى، التى كان الكثير منها صادماً مثل مواقفه من حقوق الأطفال وحقوق المرأة، كالسعى إلى إلغاء سن الزواج والترويج لتزويج الصغيرات فى سن التاسعة، أو مواقفه من مفهوم المواطنة والجدل الكبير الذى يثار مع كل عيد للمسيحيين فى مصر أو العلاقة مع المواطن المسيحى وهل له حق المواطنة أصلاً؟
وهنا أستحضر موقف ممثلى حزب النور فى مناقشة مادة التعليم فى لجنة الخمسين التى شرفت بعضويتها، وهى المادة 19 من الدستور التى خرجت بصياغتها الحالية بعد معركة مطولة مع ممثلى الحزب، وقد حظيت مواد التعليم باهتمام كبير من لجنة المقومات ولجنة الخمسين إجمالاً، حيث كانت أعلى المواد التى اجتهد أعضاء لجنة المقومات فى تقديم مقترحات لتحديد أهداف العملية التعليمية ودعم التدريس والمدرسين وأساتذة الجامعات والبحث العلمى.
وتتميز هذه المادة بعدة نقاط أساسية لم ترد فى أى دساتير سابقة منها:
أولاً: تحديد أهداف للعملية التعليمية وهى بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية.
ثانياً: إرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز.
ثالثاً: الانتقال بإلزامية التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها.
رابعاً: كفالة الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى.
ومما لا شك فيه أن جميع هذه النقاط تخالف توجهات حزب النور، لكن النقطة الفارقة فى هذه المادة هى الانتقال بإلزامية التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها وإلزام الدولة مهما تغيرت أنظمة الحكم بتعليم المصريين تعليماً لائقاً يتطابق مع معايير الجودة العالمية، مع التأكيد على أن يكون مجانياً لكل أبناء مصر، بصرف النظر عن الطبقة الاجتماعية أو المستوى الاقتصادى، وتوافقت الآراء على ضرورة أن يمتد التعليم الأساسى الإلزامى إلى المرحلة قبل الجامعية أى الثانوية العامة وما يعادلها لتتكون شخصيتهم ويكتسبوا القدرة على اتخاذ القرار باستكمال التعليم أو التوقف قبل التعليم الجامعى لمسارات أخرى فى الحياة، كما تجنبهم الارتداد إلى الأمية مرة أخرى التى تجعلهم فريسة لكل أشكال الفقر والاستغلال.
عارض ممثل حزب النور السلفى بشدة مد التعليم إلزامياً حتى مرحلة التعليم الثانوى، وأصر على قصره على شهادة المرحلة الإعدادية، أى لعمر خمسة عشر عاماً تقريباً، وفى الحقيقة كان إصرار الحزب لإدراكه أن إلزام الدولة بمقعد لكل طفل وطفلة إلى سن ثمانية عشر عاماً يحد بصورة مباشرة من الزواج المبكر والاتجار فى لحم الصغيرات، اللاتى لا تجد أسرهن مكاناً فى مدرسة أو دعماً من الدولة لاستكمال تعليمهن، ورغم حماس كل اللجنة لانتشال أبناء وبنات المصريين من الجهل ومتلازماته من فقر ومرض، استمر ممثل حزب النور السلفى على إصراره على عدم مد الإلزام إلى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وقصر الإلزام على نهاية مرحلة التعليم الإعدادى، أعتقد من حق المجتمع القلق حيال ما قدمه الحزب ولأى تعليم، وهو الحزب الذى حظره الدستور أصلاً حينما نص فى المادة 74 منه على حظر الأحزاب على أساس دينى!