كانت التجربة التى أجراها كلاوس ويدر كايند وساندى فورى رغم قذارتها مبدعة، إذ طلبا من مجموعة من الرجال والنساء أن يرتدوا قمصاناً قطنية دون وضع مزيلات لرائحة العرق لمدة يومين، ثم طولبت مجموعة أخرى من مائة وواحد وعشرين شخصاً من الرجال والنساء أن تتشمم رائحة آباط هذه القمصان، وعليهم أن يضعوها فى مراتب حسب جاذبية رائحتها لهم.
وكانت نتيجة هذا الاختبار اكتشاف أن الرجال والنساء يفضلون أكبر تفضيل أو ينفرون أقل النفور من رائحة أعضاء الجنس الآخر الذين يختلفون عنهم اختلافاً وراثياً، وكشفت التجربة أيضاً أن النساء اللواتى يتناولن حبوب منع الحمل فشلن فى إظهار تفضيل واضح فى آباط القمصان المشبعة بروائح الرجال لأن هذه الحبوب تؤثر على حاسة الشم.
تذكرنا هذه التجربة بتجربة أخرى كشفت أن أنثى الفأر تفضل أن تجامع ذكراً تختلف جيناته أقصى الاختلاف مع جيناتها هى، وهى تستطيع أن تميز هذه الحقيقة بتشمم بول الذكور والانتقاء من بينها وتسليم نفسها له، ويجب أن نذكر أن الفولكلور الشعبى المصرى من زمان وهو يذم ذلك الرجل الذى يلاحق نساءً ويصفه بالشمَّام! ثم إن الأدب الشعبى والعربى القديم أخبرنا عن هؤلاء الذين كانوا يستخدمون روث الحيوانات كطُعم لإغراء الحيوانات ومضاجعتها.
تكشف تجربة كلاوس وساندى أن جاذبية فرد من جنس لفرد من جنس آخر ليست مطلقة، ولا مرحباً بها لكل من هب ودب لو أن للأفراد حرية تامة ومطلقة، لأن البعض قد تكون رائحته منفرة للبعض الآخر، وما من أحد سوف يكون جذاباً لكل فرد، ولهذا صارت شركات العطور والتجميل تتفنن فى اختيار واستنباط روائح تساعد فى الانجذاب، مثلما تتفنن شركات الملابس وغيرها فى مثل ذلك وتسعى جميعاً لتوسيع عمليات الشحن والجذب الجنسى بين الجنسين من أجل جنى المزيد من الأموال لكروشهم الضخمة.
ما يلفت النظر فى هذه التجربة أن الانجذاب الجنسى تم بعيداً عن تأثير الحواس الأخرى كالبصر والسمع واللمس وبعيداً أيضاً عن العقل رغم أن الاختيار التلقائى ليس مجرداً لذاته ولا خالياً من الغرض والمنفعة، إذ إن هذا الاختيار الفطرى بحاسة واحدة كشف عن سعى الإنسان لتطوير صفاته وقدراته وزيادة مناعته باختيار الجنس الآخر على أساس جيناته التى يلزم أن تكون مختلفة كثيراً فى الصفات الوراثية، وأرجع العلماء ذلك لأن المجموعة المركبة للجينات التى كانت سبباً فى الانجذاب الجنسى هى الموقع الرئيسى للجينات المقاومة للأمراض، وعلى هذا نفهم ميزة الانجذاب الجنسى لما هو مضاد وراثياً.
هذه تجربة بسيطة ولكنها تنبئنا بمعان أعمق ورمزية وذات دلالة إذ إن الإنسان لو ترك لذاته فى اختيار رفيقه / رفيقته لاختار الأفضل له وللجنس البشرى كله. لو ترك لحاله سيبتعد عن قريبه / قريبته ويختار غيرهما كما سيفعلان هما أيضاً ويخرجان عن قيود وتعاليم الأهل والمجتمع.
هذه هى فطرة الإنسان كما أظهرتها تجربة أنه يختار حين يكون حراً ما يسعده ثم ما ينفعه وينفع البشرية وذريته فيما بعده، هذا قرار الإنسان الفطرى قبل أن يصل إليه العلم، وهو اختيار الإنسان بجيناته، ولكن العالم يواجه الفرد، ويضع معوقات أمامه وصعوبات اجتماعية وفكرية ودينية تلزمه أو تضطره وتطالبه بما ليس فيه وما ليس عنده وربما بما يخالف جوهره وحقيقته، موانع أمام حركته وحريته فى أن يكون أقوى وأصلح وأسعد وأفضل، بينما الفئران الأكثر حرية تقوى ولا تقضى عليها السموم المعتادة!
موانع يضعها الجميع للسيطرة على الجميع!