.. لا يخفى على أحد أن الرأى العام المصرى بالكامل لا يتحدث إلا عن ثلاثة أشياء لا رابع لها، حديث يأخذ وقته وجهده وعقله وتفكيره طوال الـ(٢٤) ساعة يومياً، فالرأى العام المصرى مشارك أساسى فى رسم سياسات الدولة وخططها وله تقديره الخاص لدى مؤسسات الدولة وجهات صنع القرار.
.. أولاً وقبل كل شىء، وبصراحة، يتحدث الرأى العام عن «الإنجازات» التى حققها الرئيس عبدالفتاح السيسى باعتبارها (المعضلة الأولى)، إنجازات لا حصر لها و«تسد عين الشمس» فى كل المجالات، إنجازات يعترف بها المعارض قبل المؤيد، والحاقد قبل المؤيد، والمحتقن قبل المؤيد، إنجازات طالت الوزارات والمحافظات وحتى القرى؛ فى الزراعة زادت مساحة الأرض الزراعية، وفى النقل حدث ولا حرج فلدينا شبكة طرق عالمية والموانئ والكبارى والسكة الحديد، إضافة إلى مشروعات الكهرباء والإسكان والتحول الرقمى والمجمعات الصناعية والمدن الجديدة.
.. (المعضلة الثانية) سأقولها حتى لا ندفن رؤوسنا فى الرمال، هى معضلة السؤال الذى يردده البعض وهو: نعم هناك إنجازات لكن ماذا سأستفيد منها؟ أريد الاهتمام بـ«الأكل والشرب».. لذلك دعونا ندخل فى نقاش بَناء مع أنفسنا ونقول: نعم سيستفيد الجميع من الإنجازات، لو لديك مهمة فى القاهرة والإسكندرية أو تتنقل بين المحافظات ستذهب بسرعة وبسهولة، لو لديك شركة مقاولات ستعمل فى هذه المشروعات بنسبة ١٠٠٪، ستستفيد أنت وأبناؤك من كل ما تم فى مصر من مشروعات، أما الاهتمام بالأكل والشرب فهو واجب لكن عليك أن تعرف أن الأمم تُبنى بالعزيمة والنضال والتحمل والإصرار والتضحية ولا بد للمواطن أن يتحمل ولو جزءاً بسيطاً من بناء وتعمير الوطن.
فى كل دول العالم الأسعار فى زيادة والكل يشتكى والظروف الدولية تدعونا للنظر حَولنا -ولو لدقيقة واحدة فقط- فى أحوال بعض الدول والتمعن فى مصائرها، سنجد أننا فى أحسن حال بالمقارنة بهذه الدول، فالاهتمام بالأكل والشرب مهم لكن النظر للإنجازات أهم.
.. لا تخلو جلسات المواطنين من الحديث عن (المعضلة الثالثة) وهى: «ماذا يريد نتنياهو؟»، فى الحقيقة فإن الأمر جَلل والوضع خطر والظروف تتغير والخطط تتكَشف والتهديدات تتوالى والتجاوزات تتعدى الخطوط الحمراء ولا بد من اليقظة واستنفار الهِمم والوقوف صفاً واحداً لمجابهة هذا الخطر الداهم والاستعداد لما هو قادم.. هنا فى هذه النقطة تحديداً لا مجال للحديث عن «الأكل والشرب» وبصراحة يتراجع الحديث عنها، بل من العيب الحديث عنها فى مثل هذه الظروف، يصمت الجميع وينتقل تفكير المواطن من «الأكل والشرب» إلى الاهتمام بالوضع الراهن فى المنطقة واحتمالية توسيع الصراع فى الشرق الأوسط، والكل يرفع شعار (لا صوت يعلو على مصلحة الوطن).
.. الشكوى من ارتفاع أسعار «الأكل والشرب» ستظل كما هى مستمرة، فأتذكر أن آباءنا كانوا يشتكون من ارتفاع الأسعار فى العصر الناصرى والساداتى وحتى وقت قريب، لذلك أتوقع تراجع معضلة «الأكل والشرب» من المرتبة الثانية إلى المرتبة الثالثة لأننا فى مرحلة حرجة من تاريخنا ولا بد لنا أن نغير تفكيرنا ونرسم صورة أوسع لاهتماماتنا لتصبح كالآتى: (الوقوف بجدية تجاه طموح نتنياهو - ثم الحديث بتفاؤل وفخر عما تم إنجازه - ثم النقاش الموضوعى الهادئ فيما يتعلق بارتفاع أسعار الأكل والشرب).