محمود العربى "سر حياتي"
ولد رجل الصناعة محمود العربى فى يوم 15 أبريل 1932، فى قرية مصرية صغيرة تسمى «أبورقبة»، تبعد القرية سبعة كيلومترات عن مركز أشمون بمحافظة المنوفية، انتقل إلى العيش فى القاهرة، ولم يكن يتجاوز عمره 10 سنوات. طفل صغير، قليل الخبرات، متعثر الخطى، يمتلك حلماً براقاً كالكنز الخفى المخبوء، يعرف صاحبه يقيناً أنه بالغه، ولكنه لا يعرف أى شىء عن معالم الطريق الذى سيوصله إليه.
بعد وقف إطلاق النار فى حرب السادس من أكتوبر، وجنوح الرئيس السادات للسلام من موقع قوة، كان لدى المصريين حماس ضخم للعمل على تعويض كل ما فاتهم، شعرت مع أخوىّ وقتها برغبة عارمة فى استنهاض كل الهمم من حولنا وتحفيزها حتى نبدأ من جديد، والحمد لله أننا بدأنا بالفعل فى تنفيذ ذلك الأمر.
لقد مدت دول العالم شرقاً وغرباً أياديها لمصر بعد انتهاء الحرب، بغرض التعاون معنا فى جميع المجالات، ولم يتردد الرئيس السادات، بل قرر أن يخوض تجربة الانفتاح الاقتصادى.
حقيقة، حدثت أثناء تطبيق سياسة الانفتاح تجاوزات عديدة، ودبت عشوائية فى ثنايا العمل أثناء ذلك التطبيق، إلا أن ذلك كان وارداً مع أية قيادة أخرى لا ترتكز فى الحكم على أسس علمية وتنموية حقيقية، وبطهارة يد وشفافية كاملة من كل المسئولين.
إن أهم شرط لنجاح أى عملية تنمية كبرى فى بلد ما هو أن يتم تطهير كل الكوادر الكبيرة من الفساد، فحينما تتطهر المواقع القيادية، ويصبح من فيها على مستوى المسئولية ونظافة اليد المطلوبة، بالتأكيد سيبدأون هم أيضاً فى تطهير كل الكوادر من تحتهم.. وهكذا.
سارع أغلب التجار الكبار للحصول على توكيلات عالمية مع بداية الانفتاح الاقتصادى فى 1974.. فى تلك الأثناء جاءنا تاجر من الأردن كان وكيلاً لماركة «سانيو» فى منطقة الشرق الأوسط، ليعرض علينا أن نتعاون معه فى تسويق وبيع منتجاتها اليابانية فى مصر، ولكن من خلاله هو، ودون تواصل مباشر بيننا وبين الشركة فى اليابان. بطبيعة الحال، رفضنا ذلك العرض، فقد كنا نتوق للحصول على توكيل يابانى خاص بنا، بعد أن شاهدنا إقبال الناس فى مصر على المنتجات اليابانية، حيث وجدوا فيها دقة الصناعة، وجودة الإنتاج، وطول العمر.
فى بداية السبعينات، تعرفنا على يابانى يدعى «أندو»، كان قد جاء لمصر لدراسة اللغة العربية فى الجامعة. كان يزورنا بانتظام فى الموسكى فى نفس الوقت الذى كنا نبحث فيه عن توكيل كبير لنحصل عليه، ولا نعرف كيف السبيل إلى ذلك. ثم اكتشفنا بعد ذلك أن «أندو» كان مبعوثاً من شركة «توشيبا» لدراسة اللغة العربية، وأيضاً لدراسة السوق فى مصر لبدء نشاط تجارى بين «توشيبا» وبين كيان تجارى مصرى يصلح ليكون وكيل «توشيبا» فى مصر. وكان ينهى فى نفس الوقت اتفاقات تبادل تجارى بين «توشيبا» وبين شركة مصر للأسواق الحرة.
كانت البداية، حين سمع مستر «أندو» عنا أثناء تجواله المستمر فى سوق الموسكى، وكان لوقع أغنية الإعلان الشهير، الذى احتوى عبارة «العربى بالموسكى، الموسكى بالعربى»، كان لوقعه وانتشاره أثر كبير عليه كما حكى لنا فيما بعد، حيث بدأ يسعى بشغف للتعرف على هؤلاء، الذين يتغنى الناس باسمهم، وقرنوا دوماً بين اسمهم وبين «الموسكى»..
كانت فكرته ببساطة أننا سنكون الوكيل الأصلح والأمثل لـ«توشيبا»، بما لدينا من معرفة عميقة بخبايا الموسكى، وبما لدينا من وجود مكثف فى كل محافظات مصر، من خلال زبائننا التجار الذين يتوافدون كل يوم بكثافة كبيرة على محله، يشترون كل ما يحتاجونه من بضاعة، بأسعار مناسبة للغاية، ويلقون معاملة حسنة. كان هذا الأسلوب فى التعامل التجارى مثالياً بالنسبة له. كان «أندو» مقتنعاً تماماً أن «العربى» هو من يستحق ثقة «توشيبا» ليصبح وكيلاً لهم.. ولكن على الجانب الآخر، كان إقناع المسئولين فى توشيبا بذلك أمراً فى غاية الصعوبة.
ومع كل عملية جديدة، ومع كل صفقة تجارية مع منتجات توشيبا، كانت قناعتى باسم «توشيبا» تزداد، ولقد أثبتت الأيام حسن ظننا بتوشيبا، كما أثبتت الأيام حسن ظن «أندو» بنا، والحمد لله.
قبل أن نحصل على توكيل «توشيبا»، كنا نعمل فى العديد من الماركات، ولكننا بطبيعة الحال كنا نهتم ببضاعة وسلع «توشيبا» أكثر من غيرها، خاصة بعد أن وضعونا فى اختبار لمدة سنة، ليقرروا بعدها ويفصلوا فى أمر التوكيل.
أثناء سنة الاختبار تلك، سافر أخى «عبدالجيد» رحمه الله إلى اليابان والصين وتايوان وكوريا للتعاقد على شراء أجهزة كهربائية وأدوات كتابية ولعب أطفال، هناك زار «عبدالجيد» مصانع سانيو، وناشيونال، ومصانع أخرى عديدة، وزار أيضاً توشيبا، وقد قابله كبار مسئولى توشيبا بترحيب كبير، ونظموا له جولة واسعة فى مصانعها ومبانيها. وعاد إلينا «عبدالجيد» بنفس الانطباع، وهو أن توشيبا هى الأفضل، وأننا قد أصبنا التوفيق حين ركزنا على العمل معهم، وحددنا هدفنا فى الحصول على توكيلها..
إننى لا أنكر أننا استفدنا كثيراً من «توشيبا»، صحيح أننا قبل العمل معهم كنا قد أتقنا العمل التجارى باحترافية، وفهمنا أسرار السوق المصرية من أسوان إلى الإسكندرية، وتعلمنا كيف نكسب مزيداً من ثقة التجار والموزعين والمستهلكين، ولكن زياراتنا المتكررة لتوشيبا فى اليابان أكسبتنا خبرات أخرى، أهمها -بالإضافة لخبرات التصنيع- خبرة خدمات ما بعد البيع، وكيف تكون من أهم أسباب ثقة العملاء فى منتجاتنا.
بعد أن تأكد اليابانيون فى شركة «توشيبا» أن «العربى» هو من يبحثون عنه، ليكون وكيلاً دائماً لهم فى مصر، وكعادتهم مع وكلائهم وموزعيهم الناجحين فى دول العالم، قرروا دعوتى -كرئيس مجلس إدارة «العربى»- لزيارة اليابان فى نهاية عام 1975.
كنت منبهراً طوال مدة الزيارة بما يقومون به من صناعات عالية الجودة، يقطر من كل جزء منها دلائل الابتكار والإبداع. نعم، كانت لدينا خبرات تصنيعية سابقة، ولكنها كانت متواضعة للغاية بالمقارنة بما أراه الآن، أين هى من هذه العملية العملاقة؟
نعم، بعد أن زرت مصانع «توشيبا»، ورأيت هناك ما رأيت من الإمكانات والتقنيات المتقدمة للغاية، ومن أعداد هائلة من العاملين تعمل فى ثقة وجدية والتزام، حكمت على نفسى بعدها أننى لا أستحق الحياة، ولا الطعام الذى آكله!، ولا نستحق -فى شركة «العربى»- المكانة التى رفعنا إليها كل من يتعاملون معنا كتجار، إن لم نصنع بنفس هذه الطريقة..
لماذا لا نبنى مصنعاً كبيراً فى مصر، لماذا لا نكون مصنعين فى بلدنا، فيكون أغلب الخير لنا ولأهلنا.. لأهل مصر كلها؟.. إننا بالتصنيع سنقلل الأموال التى تخرج من مصر، ونزيد من تلك التى ستدخل إلينا ببيع تلك الأجهزة فى الداخل والخارج.
كان قرارى حاسماً: لا بد أن نصنع!.. لا بد أن ينطلق اسم «العربى» إلى عالم الصناعة. إننا ككيان لن نعيش ولن نكبر إلا إذا انبثقت من تحت كيان «العربى» مصانع عديدة، وشركات تقوم على تسويق وبيع منتجات تلك المصانع.
بدأت طرح السؤال على توشيبا، لعلهم يوافقون على إقامة مصنع للمراوح، ولكنهم اعترضوا.. فكنا نستورد من «توشيبا» فى تلك الأثناء 50 ألف مروحة سنوياً وكنا نبيعها كلها.
عام 1976 قرر مجلس إدارة «توشيبا» الموافقة على إقامة المصنع، ويكون تصنيع 40% من المنتج فى مصر لمدة سنتين، وفى السنتين التاليتين تصل نسبة التصنيع المحلى إلى 75%، وبعد السنتين تصل إلى 95%.. ثم السنة السابعة تكون نسبة التصنيع المحلى 100%.
قضينا تلك السنوات (من 1976 حتى 1979) فى سعى مستمر للحصول على اشتراطات التصنيع من الجهات الحكومية المصرية، التى كانت معقدة للغاية، ثم بدأنا فى تأسيس المصنع بشكل محترف بمساعدة خبراء توشيبا بدءاً من عام 97، وعلى مدار ثلاث سنوات كان كل شىء قد تم إعداده وتجهيزه وتنفيذه بعناية ودقة فائقة، والفضل كله لله العلى العظيم.
كانت المشكلة الأولى التى واجهتنا فى مجال الصناعة، أن المستهلك المصرى كان قد تعود على شراء المنتج المستورد، حيث كانت عقدة «الخواجة» منتشرة أيامها، فلم يكن أغلب المصريين يفضلون شراء منتج محلى طالما له مثيل مستورد، خاصة إن كان المستورد من تصنيع اليابان، ولكننا حين وضعنا مراوحنا المصنعة فى مصر إلى جانب المراوح اليابانية، وعاين المستهلك المنتجين، وتأكد أنه تقريباً لا يوجد فرق فى الشكل ولا فى الجودة، مع وجود فارق فى عدد سنوات الضمان لصالح منتجنا، وأيضاًَ فارق السعر كان فى صالحنا.. كل ذلك جعل المستهلك يقبل لأول مرة على المنتج المصرى.
لقد بلغ نجاحنا فى التصنيع إلى الدرجة التى كان يسأل فيها العميل: «دى صناعة مصرية؟» فيجيبه البائع بثقة: «دى صناعة العربى»، فلا يتردد العميل فى شرائها.. ولله الحمد والفضل.
مصنع الراديو كاسيت
لم يستغرق التفاوض مع «توشيبا» لإنشاء ذلك المصنع وقتاً طويلاً كما حدث فى مصنع المراوح. كانت بداية إنشاء مصنع «الراديو كاسيت» عام 1984.
فى عام 1985، بعد الانتهاء من كل تجهيزات وخطوط إنتاج مصنع الراديو كاسيت، أعطيت توجيهاتى للمهندس صلاح عبدالجيد والمهندس محمد محمود، أن يستمرا فى إدارته، وكان «محمد وصلاح» متقاربين فى العمر، وتخرجا معاً فى هندسة عين شمس، لذا نشأت بينهما درجة عالية من التفاهم والتناغم، فأثمر ذلك نجاحاً ملحوظاً فى جودة إنتاج ذلك المصنع، كما أثمر ذلك التعاون بعد ذلك فى كل مشوار «العربى».
سافرت إلى اليابان عام 1986، ومعى عدد من المستشارين المتخصصين فى تصنيع التليفزيون، كان السبب الأساسى للزيارة هو التفاوض مع اليابانيين للحصول على الموافقة على إنشاء مصنع التليفزيون.
كانت اعتراضاتهم كثيرة، ولكن إصرارى على المضى فى المشروع كان أكبر من أية اعتراضات. وكانت شكوك الخبراء المصريين المتخصصين فى صناعة التليفزيون أيضاً كبيرة، من حيث قدرتنا على تأسيس المصنع على أرض الواقع، والوصول بالإنتاج لنفس مستوى إنتاج «توشيبا»، وكان ترددهم بين القناعة بفكرتى وحماسى، وبين الخوف من العراقيل الضخمة -الحكومية والتنافسية- التى يصعب أن نتخطاها واحداً واحداً، كل ذلك جعل موقفنا يبدو ضعيفاً إلى حد ما فى مواجهة الجانب اليابانى.
ولكن لم أستطع التوقف عن الطموح بإنشاء مصنع يمنح فرصاً متميزة للعمل الكريم للشباب، بدخل محترم، وبحوافز مشجعة.. مصنع ينتج أجهزة تليفزيون متميزة، توضع داخل كراتين كتب عليها: تليفزيون «توشيبا - العربى»، صنع فى مصر.
بعد أن تم افتتاح مصنع التليفزيون ليعمل بكل طاقته عام 1995، بدأنا نضع رؤية واستراتيجية واضحتين تماماً لتحديد المسيرة فيما هو مقبل من أعمال ومن إنشاءات.
بدأنا نخطط ونعمل على تحويل مصنع بنها إلى مجمع صناعى ضخم لتصنيع مختلف الأجهزة الكهربائية. فبالإضافة لمصنع التليفزيون بعد مصنع المراوح والراديو كاسيت، تم إنشاء مصنع المحركات ثم مصنع الشفاط، ثم بعده بدأنا فى إنشاء مصنع مراوح السقف، ثم مصنع المكواة وأخيراً مصنع الغسالات نصف الأوتوماتيك.. وهكذا بالفعل، وتدريجياً تم تحويل مجمع بنها الصناعى إلى قلعة صناعية تضم 10 مصانع متكاملة، تمتد على مساحة 36 ألف متر مربع.
أحياناً أسأل نفسى: هل كنت أتخيل يوم اشتريت الثلاثة فدادين من الحاج محمد العطار، أنه سيأتى اليوم الذى تتحول فيه مساحة تلك الفدادين الثلاثة إلى ثلاثة أضعاف خلال 20 سنة؟!
إننى أنصح أى شاب يريد أن يبدأ مشروعاً خاصاً ألا يضع لطموحاته سقفاً ولا حداً، اجعل طموحاتك بلا حدود وستأتيك كلها صاغرة متحققة على أرض الواقع بإذن الله، بشرط أن تتقى الله فى كل ما تعمل، وأن تخلص العمل، وأن تكون خطواتك كلها مدروسة، ولا تبدأ عملاً إلا بعد إنهاء الذى قبله.
بعد أن بدأت مساحة مصانع بنها تتسع، وكاد مجمع «العربى» هناك أن يصبح «كامل العدد» ومع بداية عام 1999، بدأنا فى إنجاز المرحلة الصناعية الثانية فى مسيرة شركة «العربى» بإنشاء مجمع قويسنا الصناعى الذى تبلغ مساحته حالياً أكثر من 320 ألف متر مربع تقريباً.
بدأت فكرة مصنع الثلاجات فى «قويسنا» بجملة وصلت لأسماعنا أطلقها أحد التجار الكبار، قال: «أنا نفسى الحاج محمود العربى يصنع تلاجات».
لم نكذب الخبر، ولم نخذل التاجر الواثق فى صناعة «العربى»، فبدأنا نجمع معلومات عن سوق الثلاجات بشكل واسع، لنتم بها دراسة جدوى شاملة لمشروع إقامة مصنع للثلاجات.
بدأنا فى إنشاء المصنع مع بداية سنة 2000، وانتهينا تماماً فى نهاية سنة 2001، حين أنتجنا أول إنتاج نال استحسان اليابانيين، وشهدوا له بالكفاءة التى تضاهى الإنتاج لديهم فى «توشيبا». ومع بداية عام 2002، بدأنا الإنتاج بشكل مستمر.
درسنا السوق المصرية بالنسبة للتكييفات من أجل إنشاء مصنع تكييف «شارب»، فوجدنا أن الفرصة سانحة لتصنيع أجهزة تكييف ذات جودة عالية، حيث أصبح الطلب عليها مع دخول موسم الصيف عالياً، خاصة مع التوسعات الكبيرة فى مصر فى المشروعات الاستثمارية السياحية والعقارية، والتى يعد جهاز التكييف فيها قاسماً مشتركاً.
كانت أكبر عقبة قد واجهتنا لتأسيس مصنع التكييف فى مجمع مصانع «قويسنا» هى أن أغلب الشركات كانت تبيع أجهزة التكييف للموزعين وكبار التجار بالآجل والتسهيلات، وهذا يخالف الأسلوب الذى اعتدناه، منذ اتخذنا قرارنا ألا يتعامل «العربى» فى البيع بالتقسيط. وتم افتتاح المصنع عام 2004، وبلغ إجمالى الاستثمارات فيه 140 مليون جنيه.
ولقد بدأنا فى تصدير أجهزة تكييف «شارب - العربى» بداية من عام 2008 إلى بعض الدول العربية، وبعض دول الكوميسا فى القارة الأفريقية، وذلك عن طريق شركة شارب، والحمد لله استقبله الجميع استقبالاً ممتازاً.
كان النجاح الذى حققناه فى تصنيع تكييف «شارب» عام 2003 دافعاً لزيادة مساحة التعاون بيننا وبين تلك الشركة اليابانية العريقة، فبدأنا بالتعاون التجارى فى بيع ثلاجات «شارب» بداية من 2009، التى نجحت فى تحقيق حصة سوقية جيدة فى وقت قصير.
كان همنا الأول أن تكون نسبة التصنيع المحلية فى هذا المنتج عالية، فقد اكتسب أبناؤنا خبرات عالية فى مجال تصنيع الثلاجات، منذ افتتحنا مصنع الثلاجات مع توشيبا فى 2002، وبالفعل نجحنا بفضل الله فى إقامة المصنع بخطوط إنتاج تسمح بتصنيع 70% من مكونات الثلاجة محلياً.
كانت زيارتى الأولى لليابان فى سنة 1975.. سافرت إلى هناك وأنا أتحسس الخطى.. كل ما كان يدور فى رأسى هو ضرورة استثمار هذه الزيارة فى مزيد من عمليات التبادل التجارى الناجحة بيننا وبين توشيبا، وكذلك توطيد العلاقة مع كبار مسئولى شركة توشيبا.
لقد لاحظت أثناء زيارتى الأولى لتوشيبا أن من أهم أسرار النجاح فى التعامل معهم أن يتحدث المرء بمعرفة ومنطق، وألا يتكلم إلا فيما يفهم، فلا يصلح معهم الحوار العبثى أو التقارير العشوائية (أقصد، لا تصلح معهم الفهلوة على الطريقة التى اعتاد عليها البعض فى بلادنا).
تقريباً لم أرَ يابانياً واحداً زار مصر، سواء كانت زيارة عمل أو للسياحة فقط، إلا وكانت مشاعر الحزن والأسى تملأه وهو يغادرها.. إن مصر يمكنها أن تستقطب الملايين من السائحين اليابانيين كل سنة، إذا أديرت السياحة عندنا بعقلية علمية تسويقية على درجة عالية من الاحتراف والجدية، وبقدرات ترويجية ودعائية متميزة.
حقيقة لم يدر بخلدى نهائياً ذلك الذى حدث، ولكن هكذا دوماً هى أقدار الله تعالى، خفية ولطيفة، لا يعلم عن أسرارها ولا نتائجها الكاملة أحد إلا الله عز وجل.
وسام الشمس المشرقة
بدأ الأمر بلقاءات عديدة جمعتنى بسفير اليابان بالقاهرة مستر «كاؤرو إيشيكاوا»، الذى كانت تربطنى به صداقة واحترام، علمت فيما بعد أنه صرح للمقربين منه بأنى أستحق الحصول على وسام الشمس المشرقة، الذى يقدمه إمبراطور اليابان سنوياً لعدد من الأشخاص على مستوى العالم، ممن عملوا على تعميق العلاقات بين بلادهم وبين اليابان. إنه أعلى وسام يقدمه الإمبراطور لأى أجنبى يرغبون فى تكريمه.
لقد فوجئت تماماً بذلك الترشيح الكريم، وتم تكليف اثنين يعملان بالسفارة اليابانية على جمع كل البيانات المطلوبة لتقديمها لوزارة الخارجية اليابانية وللقصر الإمبراطورى. وعلى التوازى أرسلوا لنا بيانات وأوراقاً كثيرة لنملأها ونستوفيها. لا أنكر أنى قد فرحت حقيقة، لأن هذا التقدير جاء من اليابان، ذاك البلد الذى وثق فينا ووثقنا فى كل من تعاملنا معه من أبنائه.
أحاط بى شعور قوى أن هذا التكريم إنما هو جائزة تقديرية، جاءت لتتوج جهودنا فى «العربى» مع الجانب اليابانى، حيث أننا لم نقصر فى كل ما عملناه من مشروعات مشتركة مع أصدقائنا اليابانيين.
بعد العودة من اليابان والحصول على وسام «الشمس المشرقة»، فوجئنا بسفارة اليابان بالقاهرة تخبرنا بتنظيم احتفال آخر بهذه المناسبة بمنزل السفير اليابانى، فى آخر ذلك الحفل، قال السفير إنه قابل مستر «نيشمورو» الرئيس السابق لتوشيبا العالمية والرئيس الحالى للبورصة اليابانية، قبل مجيئه لاستلام عمله فى القاهرة، الذى قال له «إن مستقبل اليابان فى مصر مرتبط باسم العربى، لأنهم هم أصحاب الإنجازات والتطور السريع».