كتب الزميل محمد أمين عن تخلصه من كتبه، وهو سواء كان قد باعها أو منحها لبواب عمارته فإنه استن مبدأ لنفسه وربما لغيره؛ أن التخلص من الكتب قد يكون حلا لمشاكل مالية أو مكانية، حيث زحمت الكتب شقته وشقة كل من يعشقها ويقتنيها.
هي مشكلة بالفعل؛ أن تجد أماكن كافية للكتب وحتى لو امتلكت مكتبة أو أكثر فإن الكتب تتوالد وتتكاثر بمجرد زيارة سريعة لمكتبة أو لسور الأزبكية.
أتذكر في فترة سابقة منذ ما يزيد على 45 عاما أن نشر الكاتب أمين سلامة فقرة قصيرة في بريد الأهرام يعلن فيها عن رغبته في التبرع بكتبه لمن يحضر إلى شقته في العمارة القائمة على النيل في مواجهة فندق ميريديان ومجاورة – الآن – لفندق فور سيزون.
أبلغت صديقي ممدوح أحمد عبدالله وكنا من متصوفي الكتب فوجدناها فرصة للحصول على بعضها دون أن ندفع مليما واحدا؛ وكذلك مقابلة الكاتب الكبير الذي كنت من معجبيه وقرائه المتابعين.
صعدنا إلى العمارة الفاخرة ووجدنا شققا كثيرة فتحيرنا أيها نطرق، ولحسن الحظ وجدنا لافتة صغيرة للغاية مدون عليها اسم أمين سلامة. ضغط على جرس الباب فخرج الكاتب مرحبا وقال: «للأسف لقد تأخرتم، لكني لن أردكم خائبين، وعاد إلى داخل شقته ثم رجع إلينا بعدد صغير من الكتب، ومنها مؤلفاته فأخذناها شاكرين وعائدين».
كان الكاتب يرغب في التخلص من كم كبير من كتبه دون أن يرهق نفسه بوضعهم في كراتين أو ربطهم بحبال ثم بيعهم، أراد أن يحتفظ بعض الناس بكتبه ويتذكرونه حتى لو لم تكن من مؤلفاته. ربما سجل التاريخ أن عددا من القارئين فعل ذلك، لكن المؤكد أنه يفعل ذلك بينما قلبه يتمزق، فكل كتاب له مكان ومكانة لدى مقتنيه وله قصة معه، متى اشتراه وكيف اشتراه ولماذا اشتراه ولماذا فضله عن غيره من الكتب؟
يحتفظ القارئين بذكريات مع وعن كتبهم وربما يكون أحد الكتب منقذا لصاحبه في أزمة أو في حال شعوره بالوحدة أو الحيرة. إن تاريخ البشرية ارتبط بالكتب قبل اختراع المطبعة، وبالطبع بعدها بصورة لا تقارن.
كان الورق وكان الكتاب أساس الحضارة والثقافة والمتعة للبشرية، وما قد يفعله البعض بالتخلص من الكتب ليس إلا أزمة مالية أو مكانية، لكنها ليست ظاهرة أو اتجاها غالبا، فالكتب ستبقى وسوف نشتريها مهما ارتفع ثمنها لأنها الحياة وبدونها لا طعم لشيء، فهي تتفرد بأنها الشيء الوحيد والأكيد في متعته.