سيناء رمز ساطع وشاهد قاطع على فساد الرهان الإسرائيلى بالتوسع على حساب الأرض العربية، ولا ينسى جيلى أبداً كيف أقامت دولة الاحتلال الأفراح باحتلال سيناء. والإعلان بوقاحة لا نظير لها أنها «جزء من أرض إسرائيل»، تجرعنا مرارة الشماتة الصهيونية وغباء المصدقين لأكذوبة الجيش الذى لا يقهر، وبعد سنوات ست من الاحتلال الغاشم عبر جيشنا الباسل إلى الضفة الغربية لقناة السويس، محطماً خط بارليف الذى توهم الأعداء وذيولهم استحالة تحطيمه، وقد كنت فى باريس إبان العبور العظيم، الذى كان علامة فارقة فى حياتى وشاهدت على الطبيعة، صوتاً وصورة، الانهيار الصهيونى وكيف كان البكاء وعبارات اليأس الملمح الأساسى للدولة التى زرعها الاستعمار، لا سيما البريطانى، ثم الأمريكى، فى الوطن العربى، للحيلولة دون تحقيق الوحدة العربية والنهوض بأبناء الوطن لاستعادة المكان والمكانة.
وأذكر وكأنه كان بالأمس القريب، كيف نزلنا إلى الشوارع بالملايين، فور إعلان الزعيم الخالد جمال عبدالناصر تنحيه عن الحكم، وهزمنا الهزيمة وفى مساء التاسع من يونيو عام ١٩٦٧، بدأنا حرب الاستنزاف التى أذاقت إسرائيل ورعاتها مرارة القتال، وويل مقاومة المصريين البطولية وبينهم بالطبع أبناء سيناء، وهو ما أثار فزع إسرائيل التى توهمت أن الهزيمة العسكرية الساحقة ستضمن لها ولرعاتها خروج مصر من حلبة الصراع الدامى، وخروج مصر كان بمثابة انتصار صارخ لدولة العدوان ومحركيها.
إن ملحمة سيناء تستحق أن تطلع عليها الأجيال المصرية الجديدة لترسيخ اليقين بأن المحروسة غير قابلة للتطويع مهما كانت القوة التى تستهدفها، حيث أثبتت التجارب، ومن أبرز أمثلتها الآن صمود الأشقاء الفلسطينيين فى غزة، أن الإرادة المصرية هى الأساس وهى التى حمت مصر ضد كافة أنواع الطغاة الذين اعتدوا عليها، وكانوا دائماً ينسحبون مهزومين يجرون أذيال الخيبة، نعم سيناء قطعة غالية من أرض الوطن وهى رمز ساطع لنضاله ورفضه لكل محاولات الهيمنة، خاصة بعد ثورة يونيو، التى رفع قائدها عبدالفتاح السيسى شعار إن الإرادة المصرية لن تعلو عليها إرادة أخرى.
ولا شك أن ما شهدته سيناء من تعمير وتقدم فى السنوات العشر الماضية، يؤكد أن أرض الفيروز، وقد عادت إلى حضن الوطن، لن تتركه أبداً، كما أنها تضع كل ثرواتها فى صالح الوطن، من أرض زراعية إلى شواطئ سياحية، إلى مناجم لا مثيل لها فى العالم، مثل اليورانيوم والفيروز والرمال البيضاء وغير ذلك من ثروات هائلة، إن رمزية عودة سيناء إلى حضن الوطن وتخلصها من أى شوائب بعد تأكيد الرئيس السيسى أن سينا رجعت تانى لينا، ليس مجرد شعار، بل حقيقة ساطعة على أرض الفيروز، يدرك معناها العدو والصديق.
وهكذا شاهدنا ومعنا العالم بأسره، كيف تم احترام الخط الأحمر المصرى، الرافض للتهجير القسرى لفلسطينيى القطاع، وكيف أدى الموقف المصرى، التاريخى، إلى التقدم بالقضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولى، لأن العالم بأسره، العدو منه والصديق، صار يوقن أن مصر تعنى ما تقول، كما تثبت ذلك التطورات الراهنة، ورغم الدعم الأمريكى الكامل لدولة الاحتلال واتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية موقفاً ضد العالم كله فى مجلس الأمن، باستخدام حق الفيتو، لحرمان الشعب الفلسطينى من استرداد أرضه التاريخية التى سكنها أجداده منذ آلاف السنين.