تلى مادة الطفل الصادمة فى باب الحقوق والحريات (مادة رقم 67)، مادة أثارت خلال الأسابيع الأخيرة الكثير من الجدل المشروع وما زالت. الإشارة هنا إلى المادة 68 التى تنص فى جملتها الأولى على التزام الدولة «باتخاذ جميع التدابير التى ترسخ مساواة المرأة مع الرجل فى مجالات الحياة» المختلفة «وسائرالمجالات الأخرى دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية».
وتنص فى جملتيها الثانية والثالثة على توفير الدولة لخدمات الأمومة والطفولة بالمجان وكفالة رعاية المرأة وحق الإرث والتوفيق بين الواجبات الأسرية والعمل، وكذلك على حماية وعناية الدولة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة والمحتاجة.
وواقع الأمر أن المساواة الكاملة بين المرأة والرجل تمثل مقوما أساسيا لدولة مدنية ومجتمع ديمقراطى عصرى ولمواطنة لا تعرف التمييز.
المساواة الكاملة فى الحقوق الشخصية والعامة (المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية) بين المرأة والرجل ليست ترفا ولا رفاهية، بل ضرورة إن أردنا فى مصر بناء الديمقراطية. حق المرأة فى الكرامة الإنسانية وحماية جسدها من الانتهاك إن بتزويجها وهى قاصر أو بجرائم أخرى كالعنف المنزلى والعنف الجنسى فى إطار الزواج، حق المرأة فى الحركة والعمل والسفر باستقلالية ودون وصاية، حقوقها المرتبطة بقضايا الأحوال الشخصية التى ينظمها قانون الخلع وغيره، حقها فى الترشح لرئاسة الجمهورية ولجميع المناصب التنفيذية الأخرى من رئاسة الوزراء إلى المحافظ، حقها فى الترشح للمجالس التشريعية والعمل فى القضاء، حقها فى فرص عمل متكافئة مع الرجل وبذات العائد المادى، جميع هذه الحقوق تتعين حمايتها بإقرار قاعدة المساواة بين المرأة والرجل دون تحايل أو انتقاص.
هنا يثير نص المادة 68 وشروح أعضاء الجمعية التأسيسية من المنتمين لأحزاب الإسلام السياسى الكثير من القلق. السلفيون بالجمعية يفسرون الإشارة إلى «المساواة دون إخلال بأحكام الشريعة» على أنها تتجاوز قضايا الزواج والطلاق والمواريث إلى منع سفر المرأة دون إذن زوجها ومنع ترشحها لمناصب الولاية أو الإمامة العامة (رئيس الجمهورية ومناصب قيادية أخرى). هكذا، وفى 2012 وعلى مرأى ومسمع من كثير من العلماء والفقهاء وأساتذة القانون الذين لا يرون فى الشريعة ومبادئها ومقاصدها ما قد يبرر الانتقاص من حقوق المرأة، يدفع السلفيون داخل التأسيسية لإعادة النساء فى مصر إلى واقع تمييزى ورجعى دون مواربة.
أما جماعة الإخوان، وكعادتها، فلا تتحدث صراحة عن المراد من المادة 68 فى جملتها الأولى، بل تروج لها مجتمعيا بالتخويف من تداعيات كارثية متوهمة إن غاب النص على عدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، التخويف من تقنين العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج ومن زواج المثليين كما فعلت الجماعة فى بيانها منذ أيام بشأن بعض مواد الدستور.. تخويف باطل وتحايل غير نزيه بهدف الانتقاص من حقوق المرأة والعصف بمساواتها مع الرجل، والمسكوت عنه هو أن النص فى المادة 2 من مسودة الدستور على كون مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع كفيل بعدم مخالفة تعاليم الشريعة بشأن الزواج والمواريث وغيرهما. إلا أنها مقاربة الإسلام السياسى التمييزية والرجعية للمرأة التى تريد قصر دورها بالأساس على المساحة الأسرية واستبعادها من السياسة والقضاء ومناحٍ حيوية أخرى، بل وتقييد حرياتها الشخصية. تحتاج الجملة الأولى فى المادة 68 إلى إقرار لقاعدة مساواة المرأة مع الرجل دون تحفظ أو قيد، وتكفى الإشارة فى المادة 2 لإلزامية مبادئ الشريعة كى لا تخالف تعاليمها، مفسرة ومحددة فى إطار فهم مستنير لها.
أما بقية المادة 68 فتتضمن إشارات جيدة لالتزام الدولة بالتمييز الإيجابى لصالح المرأة وحماية حقوقها الاقتصادية والاجتماعية. إلا أن حقوق وحريات المرأة السياسية تتحول هنا إلى مسكوت عنه، ويقتصر التمييز الإيجابى على الرعاية الصحية والاجتماعية وحماية المرأة الأرملة والمعيلة والمطلقة وغير القادرة وخدمات الأمومة والطفولة. كذلك تلقى المادة 68 بالواجبات الأسرية على كاهل المرأة فقط وتطالبها هى، وبمساعدة الدولة، بالتوفيق بينها وبين العمل فى المجتمع. والأكثر عدلا هو إشراك الرجل فى ذات الواجبات؛ فهى مسئولية تضامنية وتعريف عمل المرأة الأسرى كعمل فى المجتمع تنطبق عليه جميع شروط العمل بصورة عامة (فى الكثير من الدول الديمقراطية يعد عمل المرأة أو الرجل الأسرى عملا اعتياديا دون عائد مادى وتترتب عليه حقوق فى الرعاية الصحية والضمان الاجتماعى والمعاش).
مادة أخرى فى مسودة الدستور تستدعى تغييرا جوهريا!