يبدو أن الله تعالى كان متفرغاً لمصر وما يحدث فى مصر يوم الأحد الماضى! ففى الصباح كانت القرعة الهيكلية واختيار اسم قداسة البابا الجديد، حين ردد المصريون المسيحيون: إن الله سوف يختار الجالس الجديد على كرسى «مرقس الرسول». وفى المساء كانت مباراة الأهلى والترجى فى نهائى كأس أفريقيا التى انتهت بالتعادل الإيجابى بين الفريقين، بعدها بساعات أفصح حارس مرمى الترجى «معز بن شريفية» عن حوار طريف بينه وبين محمد أبوتريكة؛ حيث قال له الأخير بعد تصديه لركلة قوية منه: «انت شيلتها ازاى؟ دى كورة ربانية»، فرد عليه قائلاً: «إنها إرادة الله»!
إذن المولى، عز وجل، كان يدير أمور المصريين، مسلمين ومسيحيين، فى الصباح والمساء، ويحاول أن يساعدهم فى اختيار البابا وفى مباريات الكرة. ومن المعلوم أنه لا يوجد شعب فى الدنيا يستحضر الله تعالى فى كلامه كما يفعل المصريون، ولا يوجد شعب -بالمقابل- ينسى الله فى أعماله كالمصريين، والدليل على ذلك أننا نحتل موقعاً متقدماً على مستوى الشعوب التى توصف بالتدين، وفى الوقت نفسه فنحن من أكثر المجتمعات التى يشيع فيها الفساد فى الأعمال. وكأننا شعب «مؤمن» بالأقوال «غشاش» بالأفعال، ويبلغ الغش أعلى درجات القبح، عندما يظن صانعه أن بإمكانه أن يخادع به السماء، بعد أن احتال على أهل الأرض!
لا خلاف على أن مشئية الله ماضية فى كل الأمور، لكنها تمضى وفقاً لأداء الفرد. فإن أدّى الإنسان بشكل ناجح قضت مشئية الله بنجاحه، وإن أدى بصورة فاشلة قضت المشيئة الإلهية بفشله. والقرآن الكريم يقول: «مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا». فالأصل فى الأشياء هو الاجتهاد والسعى، كما نص القرآن: «وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى * وأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى». ومن السذاجة أن نعلّق فشلنا - وحتى نجاحنا- على مشيئة الله وننسى الأداء الإنسانى. والله تعالى يقول: «إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً»، لا بد أن نفرق بين إرادة الفرد ومشيئة الله.
إننا كثيراً ما نسمع المصريين يقولون «أنت تريد، وأنا أريد، والله يفعل ما يريد». وهو قول غير منطقى بحال. فالله تعالى يفعل ما تريد أنت. لقد ذكر طفل القرعة الهيكلية «بيشوى جرجس مسعد» أنه توقع فوز الأنبا «تواضروس» بكرسى البابوية، ووصف أبوتريكة مباراة الأهلى والترجى قبل بدايتها بأنها «مباراة أخوية»، ثم قضت المشئية الإلهية بعد ذلك بتحقيق حلم الطفل البرىء فاختار «تواضروس»، وقضت من بعد بأن يشوط أبوتريكة الكرة لـ«بن شريفية» بمنتهى الأخوية.. هى دى النظرية!