عندما نتحدث عن التجديد أو تطوير الفكر الدينى المعاصر، فنحن بصدد تناول ثلاثة أنواع من النصوص، يأتى على رأسها النص القرآنى، وهو نص مقدس، مدار التعامل معه هو الفهم والتأويل، ونص بشرى بحت، ويتمثل فى الموروث التاريخى والفقهى، وهو قائم على الاجتهاد الإنسانى، بما يمتاز به الاجتهاد من احتمالية الصواب والخطأ، ونص نبوى يتمثل فى الأحاديث المروية عن النبى صلى الله عليه وسلم.
دعونا نبدأ الحديث حول حدود ومداخل التعامل مع كل نص من هذه النصوص من منظور التجديد، بالنوع الثالث المتمثل فى النص النبوى.
أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم متنوعة، فبعضها يخضع لمفهوم الثابت المقدس، وهى الأحاديث الصحيحة الشارحة -بصفة خاصة- للعبادات الإسلامية، مثل الصلاة والحج والصيام، وبعضها الآخر يقع فى سياق الحياتى المتغير، كالأحاديث التى تتفاعل مع معطيات البيئة الواقعة أيام النبى صلى الله عليه وسلم، يضاف إليها الأحاديث الراقية التى تؤكد على الركن الأخلاقى فى الإسلام.
أحاديث توضيح العبادات وشرح هيئتها وإجراءاتها ثابتة، لأنها نصوص مفسرة للنصوص القرآنية المتصلة بهذا الركن من أركان الدين، لكن الأحاديث المعبرة عن الحياة أيام النبى، غادرتها الأزمنة التالية، وبالتالى تجدها مهمَّشة داخل الخطاب الدينى الشعبى وكذا الرسمى، ولا تثار إلا فى الحالات التى يريد البعض فيها إشعال الجدل حول الموروث النبوى، مثل حديث الذبابة، وحديث التداوى ببول الإبل، وغير ذلك، يضاف إليها بعض الأحاديث التى تحمل أخباراً وتوقعات حول القادم من أحداث فى دنيا الله بعد أن رحل عنها النبى صلى الله عليه وسلم.
لو أنك راجعت بعض كتب التراث، فستجد أنها تزدحم ببعض هذه الأحاديث، لكنك تجد أن هناك من يصفها بالضعف، أو لا يستحسنها، تجد ذلك حاضراً على سبيل المثال فى السياقات التى تحكى الصراعات السياسية بين صحابة النبى فى صدر الإسلام، وبعض الأحاديث التى كانت تبرر موقف هذا الطرف أو ذاك، وقد رويت فى سياقات اضطراب، لم تكن بعض الضمائر خلالها مخلصة للدين بالقدر الذى يمنعها من انتحال الأحاديث.
راجع كتاب البداية والنهاية لابن كثير على سبيل المثال، وستجد أشكالاً وألواناً من هذه الأحاديث التى ذكرها الكاتب، ثم وصفها بالضعف، ما يعنى عدم اطمئنانه إليها، وإذا كان مؤرخو وفقهاء العصور الأولى للإسلام اعتمدوا على مقاييس دقيقة لتصنيف الأحاديث على مستوى القوة والضعف، فأولى بالمتخصصين فى علم الحديث فى زماننا أن يراجعوا هم الآخرون، فربما فات على السابقين أحاديث لا بد أن تخضع لمراجعة أوسع بالاعتماد على الأدوات الحديثة التى لم تتوفر لهم. وظنى أن علماء الحديث المعاصرين يفعلون ذلك.
تعالَ بعد ذلك لمجموعة النصوص النبوية التى تؤكد على الركن الأخلاقى فى الإسلام، وتحمل أحاديث توجد حاجة ماسة لترسيخها فى الوجدان المسلم المعاصر، لمعالجة الأزمة الأخلاقية التى تعانى منها بعض المجتمعات الإسلامية.
نحن إذن بصدد عدة مسارات فى التعامل مع الأحاديث النبوية، مسار الأحاديث الثابتة، المتعلقة بالعبادات، ومسار الأحاديث المتغيرة، التى ارتبطت بعصر الرسول، وغادرها الزمن ولم تعد مستخدمة، وأحاديث الأخبار التى توجد حاجة إلى مراجعتها وتنقيحها، والأحاديث المهمَّشة والتى تحتاج إلى نوع من الإحياء، وهى أحاديث الأخلاق.