كنت فى زيارة للشقيقة تونس وخلال دعوة كريمة للعشاء فى منزل مطربة مشهورة جلست بجانبى شقيقة الفنانة وخطيبها. ظلت الشابة الرقيقة طوال الوقت تسألنى عن عادل إمام، هل تقابله؟ هل تعرفه؟ هل يمكن أن تبلغه سلامى؟ إذا زار تونس هل يمكن أن يقابلنى؟ كنت سعيداً بما دار بينى وبينها عن الممثل الكبير عادل إمام ووعدتها إذا قابلت النجم الأشهر أن أبلغه كل رسائلها.
عندما نحتفل بيوم مولد عادل إمام نتذكر مسيرته الطويلة لإسعاد الناس، لم يكن يفعل ذلك لأنه ممثل يحب الشهرة والنجاح لكن جزءاً من الموضوع شفاء الناس من أوجاع ومعاناة يعيشونها يومياً، هو يؤمن بذلك ويحب أن يفعله. مسيرة طويلة قطعها عادل إمام بداية من المسرح إلى السينما إلى التليفزيون، مارس كل أنواع التمثيل، بما فيها التمثيل فى الإذاعة مع المطرب الكبير عبدالحليم حافظ. وخلال مشوار حياته مثل عادل إمام مع كل النجوم الكبار فى تاريخ السينما العربية ممن عاصرهم، مع فريد شوقى، رشدى أباظة، عمر الشريف، فؤاد المهندس، عبدالمنعم مدبولى، حسن يوسف، أحمد رمزى، نور الشريف، حسين فهمى، وغيرهم من مشاهير ممثلى السينما العربية. كما مثل مع كبار سيدات الشاشة، سعاد حسنى، شادية، لبلبة، يسرا وغيرهن.
تستحق مسيرة عادل إمام الاستثنائية القراءة والتأمل، باعتبار أنه استطاع وصل مسيرة آباء الفن الجميل وصنع تاريخاً جعله أهم فنان مصرى وعربى تربع على عرش السينما المصرية لفترة تزيد على 40 عاماً، فى ظاهرة فنية فريدة جمعت بين بذل الجهد والعطاء والإتقان والحرفية فى اختيار أعماله، التى يطل من خلالها على جمهوره. بدأ عادل إمام مسيرته مبكراً، فى زمن الجامعة وعلى مسرحها، وحرص على أن يسلح نفسه بثقافة فنية وسياسية تتيح له القدرة على التعبير الواقعى عن قضايا المجتمع. قام بتجسيد عشرات الشخصيات، الكوميديا كانت فى المقدمة لكنه تقمص أيضاً أدوار الشر والفقر والإرهاب والفهلوة وغيرها، وحقق نجاحات عديدة عبر عنها الجمهور فى إقباله منقطع النظير على مشاهدة أعماله، حتى إن بعض مسرحياته استمر عرضها لسنوات، كما أن الجمهور يحفظ «إفيهاته» التى ينطق بها فى أعماله المسرحية والسينمائية.
يشغل فنانو الضحك مكانة رحبة فى قلوب الناس، حيث يشعرون بقرب الفنان منهم ومن مشاغلهم، يساندهم فى قضاياهم ويقتص لهم من الأكابر والظالمين والمستبدين. ولطالما تناول فلاسفة كبار مسألة الضحك فى حياة الناس. نيتشه فيلسوف العدمية يقول على لسان نبيه زرادشت: لقد أتيتكم بشرعة الضحك، فيا أيها الإنسان تعلم كيف تضحك. بل أعلن نيتشه أن الضحك مقدس فى حقل الفلسفة، لذا صور لنا زرادشت وهو يضحك ويقهقه فى غالب الأوقات.
ضحك زرادشت من وعلى أمور كثيرة كما نضحك اليوم إما لما أعجبنا وأسرنا أو لأسى حاق بنا، حيث الضحك مخرجنا من مآزقنا وملجأنا فى مآسينا، وهو كنز نادر تقتصر متعته على الإنسان، فالحيوان أو الطير لا يعرف الضحك. والضحك سلاح الشعوب فى مواجهة الأزمات وكلما كان الفنان الكوميدى أو المضحك مجسداً لمجتمعه كان أقرب للناس وللنجاح.
كان عادل إمام واعياً بما يفعله بمشاعرنا، ويعرف كيف يؤثر علينا فنضحك، فقوة الضحك تشتد كلما كانت حالة التناقض غير متوقعة بدرجة كبيرة، وهو ينشأ لأسباب اجتماعية. ويعلم عادل إمام أن الإنسان لم يخلق ليكون جِدياً على مدار يومه، إذ يجب أن يكون ثُلثا يومه للفرح وإلا ستكون سيرته كومة معاناة، ومن الضّرورى أن نروح عن أنفسنا من حين لآخر وأن نضحك من أنفسنا، وعلى الناس أن تتلقى تربية تعترف بالضحك مسلكاً لتربية الإنسان وتعليم الناس كيف تضحك بقوة ودون خجل أو خوف من أحد، فالضحك بُعد إنسانى أصيل فى الذات البشرية وهو أبعد ما يكون عن أنه مجرد سلوك عادى.
عاش عادل إمام بيننا ومعنا ما يقرب من ستين عاماً أدخل علينا البهجة والبسمة، على الشعب العربى الذى يعيش بين الخليج والمحيط. أتمنى له ومعى ملايين الناس عمراً مديداً وصحة طيبة وسعادة بقدر ما أسعدنا