بالفيديو والصور| "جريدي".. أول فيلم روائي باللغة النوبية
يقف أعلى شاطئ النيل ينظر إلى أقرانه يقفزون واحدًا تلو الآخر للمياه، تتعالى ضحكاتهم وهم يتراشقون بالمياه التي تصل قطراتها إلى وجهه، فلا ينظر لهم بل للصخرة التي تتوسط النيل من بعيد، ويحلم أن يصل إليها.
لكن "كونناف"، الطفل النوبي، لا يجيد السباحة مثل أقرانه ويخاف المياه، وكان عليه التغلب على مخاوفه ليصل إلى حلمه، الذي ارتبط بحلم "أبراز" المسن الذي لم يتخلَ عن حلمه للعودة للنوبة القديمة، ويشجع الصبي الصغير للوصول لمركبه.
"جريدي" أول فيلم ناطق باللغة النوبية "الكنزية"، للمخرج محمد هشام الذي كان يشاهد على ضفاف النيل في أسوان المركب الخشبية الصغيرة "جريدي"، حتى تشكَّلت الفكرة في وجدانه، وشاركه في التأليف السيناريست جمال صلاح.
"الفكرة والمكان والحكاية كلها في النوبة لازم يكون الفيلم بلسان أهل الفيلم"، لذلك كان اختيار المخرج محمد هشام للغة النوبية لحوار الفيلم، فهي لغة مصرية أصيلة نمتلكها لها تراث أدبي وشعري، كما وصفها المخرج.
منذ رؤيته لـ"جريدي"، المركب الخشبية الصغيرة، في زيارته لأسوان، ظلت الفكرة مستقرة في وجدانه حتى اكتملت لتكون فيلم روائي قصير، ظلَّ هشام عامًا ونصف يزور غرب سهيل وقرى غرب النيل حتى يصل إلى الأشخاص الذين سيؤدون أدوار البطولة، "محمد صالح" أو "كوناف" الطفل بطل الفيلم، تشابهت طبيعته بدور الطفل الحالم قليل الكلام هادئ، و"الريس نادي" أو "عم أبراز" وهو صحاب أحد المراكب، وهو "مفتاح" حلم الصبي الصغير.
استغرق تصوير الفيلم 12 يومًا متواصلًا، المعدات وإقامة لفريق العمل من مصورين وفنين بأسوان تكلفت الكثير، إلا دعم أصدقاءه "أحمد الكردوس" صاحب شركة "فيلم ميديا"، و وائل فرج وشريف فتحي بشركتهم "وذا سيل" تحملو معه الإنتاج لإعجابهم بفكرة الفليم، الذي انتهى تصويره لتتبقى المرحلة الأخيرة فقط وهي "تصحيح الألوان"، حتى يصبح جاهزًا لتقديمه في عدد من المهرجانات المحلية والدولية.
"النوبة جرح عميق وراء ابتسامة رائعة.. مثل (كوناف) بطل الفيلم، لي حلمًا: وهو أن أصل إلى تلك الصخرة في قلب (المحيط) التي دفنت فيها مفاتيح أبواب النوبة.. سأعود يومًا"، كلمات وصفت بها الفنانة التونسية غالية بن علي، التي قامت بأداء أغنيات الفيلم، تجربتها في هذا العمل الفني، عبر نشر صورة لها وهي ترتدي "الجرجار" النوبي، على حسابها في "إنستجرام".
"جريدي" الأغنية التي غنتها "غالية" ليست نوبية، وليست بأي لغة من اللغات المتعددة النوبية، هي قريبة لـ"Blues" الإفريقي، على ناي بروح جنوب تونس وبهجة نوبية، كما قدَّمت أغنية "أباياسا" النوبية كلمات الشاعر الراحل محيي الدين شريف، وألحان الراحل أحمد منيب.
"البشر كلهم سواء لا يوجد اختلاف في طبيعتهم الفطرية مهما اختلف لونهم أو لغتهم"، كانت هي ملخص التجربة التي عاشها المخرج محمد هشام، إلا أن النوبيين تميَّزوا بالطيبة التي تظهر محبتهم، "بحس إني رايح لأهلي" فبعد عدة زيارات أصبح هذا شعوره تجاه أهل النوبة.
لم يكن هذا الفيلم تجربته الأولى، بل سبقها بـ"الناس دول"، أول فيلم وثائقي عن مصابي ثورة 25 يناير، يروي أحداث الأيام الأولى للثورة المصرية على لسان مصابيها ومعاصريها، ولتوصيل صوت آلامهم ومعاناتهم منذ إصابتهم.
وعرض "الناس دول" ولاقى نجاحًا كبيرًا حيث تم عرضه في ساقية الصاوي وصالون الكاتب علاء الأسواني، بجانب عرضه في اليونيسكو ببيروت ورافقه الفنان محمود حميدة، ويباع DVD الآن في مكتبات "أ".
إبداع محمد هشام ليس غريبا عليه، فهو يعمل في قسم "creative" بإحدى المؤسسات الإعلانية خارج مصر، ويعيش في دبي، يتمنى هشام أن ينفذ جميع الأفكار التي يؤمن بها.