كشف حساب "الإصلاح التشريعى": لم ينجح أحد
قرار تشكيل اللجنة العليا للإصلاح التشريعى منذ ما يقرب من عام لم يكن مجرد صدفة، فهو أول قرار جمهورى أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبالتحديد 15 يونيو الماضى، أى بعد توليه الرئاسة بأيام، وكلف اللجنة بإجراء ثورة فى مجال التشريعات، التى تعانى كثيراً من الإشكاليات. وفى أكتوبر الماضى عاود الرئيس خلال اجتماعه بأعضاء اللجنة التى يرأسها المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، مطالبتهم بضرورة إعداد أجندة تشريعية لمشروعات القوانين المقترحة والتعديلات على القوانين الأخرى التى تتوافق مع الدستور الجديد، كما طالبهم بإعداد منظومة تشريعية جديدة تتعلق بحوافز الاستثمار، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، فبعد نحو 11 شهراً فشلت اللجنة فى أداء مهمتها التشريعية، وبدا ذلك واضحاً فى المدة التى استغرقتها فى إعداد مشروع قانون الاستثمار وحده الذى استغرق 3 شهور، وعندما انتهت منه اعترض عليه وزير الاستثمار، لينتهى الأمر بتعديلات على قانون الاستثمار الحالى، الذى صدر قبل ساعات من انعقاد المؤتمر الاقتصادى فى مارس الماضى. ووفقاً للأرقام الرسمية لعمل اللجنة فإن محصلة اجتماعات اللجنة منذ إنشائها ١٠ اجتماعات، وقد عقدت أول اجتماعاتها فى 4 أغسطس من العام الماضى، أى بعد نحو شهرين من تشكيلها، وهو ما يخالف نص القرار الجمهورى، الذى يلزمها بالانعقاد مرة على الأقل كل أسبوعين. فى هذا الملف تقدم «الوطن» كشف حساب لجنة الإصلاح التشريعى، والتى أصبحت فى حكم الميت «إكلينيكياً»
٨ ملاحظات على عمل لجنة الإصلاح التشريعى منذ بدأت عملها وحتى الآن، أبرزها افتقاد رؤية العمل وغياب التنسيق بينها وبين الوزارات المختصة، فضلاً عن وجود حالة من التراخى فى انعقاد اللجنة، هذا ما كشفه تقرير حقوقى صادر حديثاً عن المعهد الديمقراطى المصرى، فضلاً عن وجود نوعين من المعوقات لعملها قسّمها التقرير الذى أعده رامى حافظ، رئيس وحدة الدعم القانونى بالمعهد إلى نوعين: معوقات خارجية، وأخرى داخلية.
ويرصد التقرير أبرز الملاحظات حول أداء اللجنة وتتمثل فى مخالفة قرار التشكيل، فقد ورد فى قرار إنشائها عقدها لحوارات مجتمعية حول مشروعات القوانين وقد تعهدوا للرئيس فى الاجتماع الوحيد الذى جمعهم معه بذلك، ولكن وللأسف هذه الحوارات تمت لقوانين معينة وبالأخص المرتبطة بحزمة التشريعات الاقتصادية والنقابات وتغافلوا عن قوانين أخرى، رغم أهمية مناقشتها مع الأطراف المعنية بها، وأن هناك حالة من غياب الرؤية واستراتيجية العمل، وتجلى ذلك فى عدم تحديد أولوية التشريعات التى سيتم تعديلها وفقاً للدستور والتشريعات الأخرى التى تحتاج إلى مراجعة لتفادى الإشكاليات الناجمة عن تطبيقها، وتساءل التقرير عن الأنشطة التى تحتاجها اللجنة لاعتماد ميزانية قدرت بـ6 ملايين.
وأشار التقرير إلى أنه لم يصدر عن اللجنة أى خطة زمنية لمشروعات القوانين التى تعدها أو التى تصدر عنها سواء فى الإعلان عن إرسال بعض الوزارات لمشروعات القوانين أو مناقشتها أو إعدادها فى الصياغة النهائية كل ذلك عن طريق البيانات الإعلامية التى تصدر عنها أو عن اللجان المنبثقة عنها، دون معرفة ما هى الخطط الزمنية لمشروعات القوانين التى صدرت عنها، وأنه بالرغم من رئاسة المهندس إبراهيم محلب للجنة ورئاسة الوزراء إلا أن لجنة الإصلاح التشريعى لم يكن لها دور فى هذه الاستراتيجية التى أعلن هو نفسه عنها فى 9 ديسمبر 2014 -خلال اليوم العالمى لمكافحة الفساد- فعدد القوانين التى يجب تعديلها أو المشروعات المطلوبة كبير ويحتاج لكافة الخبرات والمؤسسات المعنية من الإسهام فيها إلا أن اللجنة تم تجاهلها ولم تحصل على الدور المتوقع منها.
وحول المعوقات الخارجية: يوضح التقرير أنها تمثلت فى عدم اعتماد ميزانية لعملها، وكان المستشار إبراهيم الهنيدى قد طلب من الحكومة اعتماد مبلغ يقدر بنحو ٦ ملايين جنيه لعمل اللجنة، كذلك عدم التزام العديد من الوزارات بإرسال مقترحاتها لتعديل بعض مشروعات القوانين التى تعانى من خلل تشريع، وتحتاج إلى تعديلات جذرية، فضلاً عن عدم اقتراح مشروعات قوانين جديدة.[FirstQuote]
وبالرغم من إخطار المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء رئيس اللجنة الوزارات بضرورة المشاركة فى تطوير عملها، فإن ذلك لم يحدث بل تعمدت العديد من الوزارات إرسال مشروعات القوانين والتعديلات إلى مجلس الوزراء دون الاعتداد بلجنة الإصلاح التشريعى، وهو الأمر الذى اضطر اللجنة إلى العمل على تكليف رؤساء لجان الإصلاح التشريعى بإعداد أجندة تشريعية خاصة بكل لجنة واختصاصاتها وهو ما نجح البعض فى تحقيقه، فضلاً عن اعتبار مجلس الوزراء الجهة المسئولة عن تسليم مشروعات القوانين الواردة من الوزارات أو تعديلاتها إلى اللجنة، وهذا الاتفاق جرى العمل به بعد أن شكا المستشار إبراهيم الهنيدى، مقرر اللجنة، من تقاعس الوزارات عن القيام بالتكليفات الموجهة إليها، فى ذلك الإطار حرصت اللجنة الفنية للإصلاح التشريعى على مراجعة قاعدة التشريعات وإعداد خطة عمل لتعديلها أو إعداد مشروعات جديدة.
وتضمنت المعوقات الداخلية، السرية والكتمان فى عرض المعلومات، وعدم وجود قنوات اتصال بين اللجنة والمتخصصين والمهتمين بالقوانين المختلفة، وعدم وجود أجندة تشريعية واضحة وخطة زمنية لتحديد المطلوب مواعيد إنجازه. وتساءل التقرير عن حقيقة استمرار عمل اللجنة، فى ظل وجود البرلمان المقبل، لافتاً إلى أنه حال استمرارها، فإنه يجب تفعيل دورها والتعاون معها ومراقبة أعمالها حتى تتمكن من تحقيق هدفها وهو الإصلاح التشريعى.
وقال عماد رمضان، مدير المعهد الديمقراطى المصرى لـ«الوطن»: إن قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بتشكيل اللجنة، أوضح مدى الحاجة إلى ضرورة النظر فى البيئة التشريعية المصرية، فالقوانين التى تنظم المجال الواحد تكون فى بعض الحالات متعارضة مع بعضها البعض وكذلك تمثل رؤى مختلفة تبعاً للمسئول الذى أصدر القرار، مشيراً إلى أن التصور المأمول من عمل هذه اللجنة أن تكون بيت خبرة قانونية وتشريعية تفرد مساحة أوسع للعمل القانونى طبقاً لقواعد المتعارف عليها بعيداً عن التأثيرات السياسية والحزبية التى تتحكم كثيراً فى إصدار مشروعات القوانين.
وأضاف أن اللجنة تعمل على النقيض، فبدلاً من فتح المجال والباب للمتخصصين ومنظمات المجتمع المدنى المهتمة بالتشريعات الوطنية، نجدها قد فرضت حالة من السرية على أعمالها ولم تجر الحوارات المجتمعية المطلوبة حول مشروعات القوانين الجديدة أو ما يتم إدخال تعديلات عليه، حتى إنها لم تلتزم بما أعلنت عنه سابقاً من تدشين موقع خاص للجنة لاستقبال كافة المقترحات حول القوانين سواء من المتخصصين أو المواطنين، فضلاً عن تباطئها فى عقد الاجتماعات بشكل منتظم وفقاً للقرار الجمهورى، مبيناً إلى أنه وفقاً للأرقام فإن إجمالى عدد الاجتماعات التى عقدتها اللجنة ١٠ اجتماعات، رغم أن أول اجتماعاتها عقد فى أغسطس عام 2014.