اقتبست عنوان هذه المقالة من عنوان دراسة أعدها مركز «برنت سكوكروفت» للأمن الدولى، التابع للمجلس الأطلنطى، التى سوف أستعين ببعض تحليلاتها لقمة كامب ديفيد الأمريكية - الخليجية، التى اختتمت يوم ١٤ مايو الحالى، وإن كنت أختلف مع توجهات الدراسة جذرياً، وقد ألم بى شعور بالانقباض من فكرة عقد هذه القمة، تصورت لوهلة أنها العقدة القديمة من كامب ديڤيد وسنينها، لكننى سرعان ما اكتشفت أن هذا التصور بلا أساس، والواقع أن «عاصفة الحزم» ودلالاتها كانت قد فتحت الباب لآمال مشروعة فى بداية جديدة للنظام العربى تذكرنا بخبرة أكتوبر ١٩٧٣ حين أمسك النظام العربى بزمام الأمور وقرر أن يجابه التحدى رغم أنف القوتين العظميين اللتين كانتا منشغلتين فى ذلك الوقت بالترتيب لاسترخاء عسكرى فى الشرق الأوسط، وقد رأيت هذا المعنى فى «عاصفة الحزم» رغم علمى الكامل بالانتقادات بل الاتهامات الموجهة إليها فقد كانت مبادرة التحالف العربى بقيادة السعودية بالعمل العسكرى ضد محاولات الحوثيين لاستكمال سيطرتهم على اليمن لحساب مشروع الهيمنة الإيرانى دليلاً على أن قرار تحديد الخطر وأسلوب مواجهته عاد عربياً بعد طول انتظار فى أعقاب كارثتى غزو الكويت فى ١٩٩٠ والعراق فى ٢٠٠٣، ومهما قال البعض من أن المسألة برمتها لا تعدو أن تكون خطة أمريكية شريرة لاستدراج العرب إلى حيث يستنزفون ويصبحون أثراً بعد عين، وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية قد أخطرت بقرار العمل العسكرى فإننى أزعم أنها لم تكن مستريحة للقرار العربى، لاعتبار استراتيجى مهم يذكرنا بمصير إعلان دمشق فى مارس ١٩٩١ الذى طاش له صواب الولايات المتحدة وإيران ولم يهدأ لهما بال حتى أطلقتا رصاصة الرحمة عليه، وآية ذلك الاعتبار أن توفير إطار عربى لأمن المنطقة يعنى صراحة ألا حاجة لغطاء غير عربى لهذا الأمن.
أما فى قمة كامب ديڤيد الأخيرة فقد أصابنى قلق شديد من احتمال أن تكون ردة قد حدثت فى احتفاظنا بزمام أمننا القومى فى أيدينا، فقد قيل إن دول الخليج كانت تطمح إلى توقيع معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة كنوع من الضمانة فى مواجهة الخطر الإيرانى المحتمل تزايده إذا ما تم التوصل إلى اتفاق نووى نهائى، بعد الاتفاق الإطارى الأخير بين إيران والدول الغربية الخمس، صحيح أن هكذا معاهدة يمكن أن تلعب دوراً فى تعزيز أمن الخليج لكن الأمر يحتاج إمعان نظر على نحو ما سيجىء، غير أن قلقى قد خفت حدته بتطورين، أولهما أن دول مجلس التعاون الخليجى الست، وإن لم تتخلف عن القمة الأمريكية - الخليجية إلا أن أربعة من قادتها لم يحضروها بأنفسهم، ولهذا دلالته المهمة دون شك، والثانى أن القمة لم تتمخض عن معاهدة دفاعية تكبل دول المجلس بالتزامات لا لزوم لها مقابل ضمانات مشكوك فى فعاليتها، كما سأشرح وجهة نظرى لاحقاً، وقد حاولت الولايات المتحدة فى القمة أن تؤكد أن الاتفاق مع إيران لن يؤدى إلى إضعاف الشراكة مع دول المجلس وأنها ما زالت ترفض أى تمدد للنفوذ الإيرانى فى المنطقة، وأن تزيد صدقيتها كقوة رادعة ضد إيران، ومن الحقيقى أن البيان الختامى للقمة قد تضمن تأكيد واشنطن استعدادها «للعمل سوياً مع دول المجلس لردع والتصدى لأى تهديد خارجى يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة لسلامة أراضى أى من دول المجلس، وفى حال وقوع مثل هذا العدوان فإن الولايات المتحدة على استعداد للعمل على وجه السرعة مع شركائها فى المجلس لتحديد الإجراء المناسب الواجب اتخاذه باستخدام كل السبل المتاحة بما فى ذلك إمكانية استخدام القوة العسكرية للدفاع عن شركائها فى مجلس التعاون»، وقد يرى الكثيرون أن هذا كافٍ ولن أتحدث عن التحفظات الكامنة وراء السطور لأن هذه ليست قضيتى مع معنى كامب ديڤيد أصلاً.
قضيتى فى المنهج والتوجه، فعلى ضوء التطورات الراهنة فى المنطقة وبالذات فى السنة الأخيرة أعتقد أنه آن أوان مراجعة سياسات تحقيق الأمن القومى العربى، وكنت أعتقد أن «عاصفة الحزم» تعنى أن هذه المراجعة قد بدأت، كذلك ما زال الأمل يملؤنى فى نجاح تأسيس قوة عربية مشتركة، لكن معنى كامب ديڤيد أصابنى بالقلق، وأعتقد أننى محق على ضوء ظاهرتى داعش والحوثيين وما يماثلهما، فقد بات واضحاً أن حماية أمننا القومى تبدأ من الداخل، وأنه بدون هذا الداخل لن تجدى الضمانات الخارجية نفعاً، ولنا فى هاتين الظاهرتين دروس كافية، فداعش تتبقى لها أيام قليلة كى تكمل السنة عمراً وهى ما زالت تحقق تقدماً حتى الآن، ولمجرد التذكير فإن ثمة تحالفاً دولياً بقيادة أمريكية يقصفها جواً منذ شهور، والنقاش الآن محتدم فى الداخل الأمريكى حول خيبة السياسة الأمريكية فى هذا الصدد، وللتذكير أيضاً فإن داعش هى بنت الغزو الأمريكى للعراق وتداعياته الكارثية، كذلك فإن ظاهرة الحوثيين ما كانت لتتفاقم لولا البنية شديدة الهشاشة للدولة اليمنية، والخطر الإيرانى المتفاقم لن يكون ناجماً عن جيوش تهاجم وتحتل كى نستنجد بالولايات المتحدة فى فى مواجهتها، وإنما هو بالتأكيد خطر توفر الظروف التى ساعدت على صعود الحوثيين فى اليمن فى أى بلد عربى آخر، والأمر شديد الوضوح فلنعول على إصلاح أوضاعنا الداخلية ولنتمسك بأن تكون المبادرة بأيدينا إذا ما وقع علينا عدوان خارجى.