سألنى صديقى: ما هى العدالة التى تريدونها؟ فرددت: هى إحساس بالإنصاف لا تفهمه لأنك مريض بـ«التوحد»، فبادرنى: وما معنى كلامك؟ قلت: أن تفقد التمييز.. تمييز الإنسانية وتتوحد مع الظلم والكراهية، فزمجر كعادته: أتشتمنى؟! إذن لنفترق، فتركته وعدت لأقيم أموراً قد شغلنى عنها تمسكه بأن يرقص على سلالم منهارة..!!
العدالة التى لا يراها هى أن ترى بعيون الناس وليس بعينك، العدالة أن تعبّر عنهم وليس عن ذاتك، العدالة أن تبحث عن الخير وليس الشر بين جوانحك، العدالة تشارك، العدالة غفران، العدالة تنافس شريف، العدالة هى قدرتنا على رفض الظلم، العدالة غاية الكلام، العدالة أساس الحياة ومنبت الوجود، فالحق من سبع سماوات حرّم الظلم على نفسه «يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا».
«قطة» دفعها التشارك إلى أن تساعد كلباً كفيفاً أصم لكى يتجاوز العقبات فى طريق طعامه، «شمبانزى» هداه سلوكه فى «لعبة الإنذار الأخير» للتجاوب عند تقاسم الموز مع أقرانه وتفوق على البشر الذين أُجرى عليهم نفس الاختبار فى الإحساس بالعدالة، اختبار كشف أن البشر يكونون أكثر سعادة عندما يحصلون على حقوقهم فى حين لا يبدون كذلك إذا حصلوا على أكثر أو أدنى من حقوقهم، إنها الفطرة التى يفسدها الطمع والجهل.
نبحث عن البنيان المرصوص فلا نجده، اللحمة تداعت مع الفُرقة، والكراهية أذابت أوصال الاصطفاف، البنيان يميل، لن تنفعه ترميمات أو سكاكين معجون أو «وش نضافة»، تلزمه يقظة وخطة بديلة، البدايات فضحت الأساس، والدعاية لم تُخف شيئاً، بل كشفت العورات بزيادة، الحصانة ماض، والماضى يتكالب على المستقبل، والرقص يستمر على جسد الحقيقة، والغشاوة أعمت العيون، والدعاء فى جوف القلوب دائم بالإفاقة قبل فوات الأوان!!
الشر يسرى بعجلة فى الأوصال، و«مجوس» المصالح يدفعوننا إلى الحافة، والجماهير تتطلع فقط إلى حقها، الحق لن يأتى بالانتصار لطبقة دون أخرى، الحق لن يأتى بالتسامح مع الفاسدين، الحق لن يأتى بسحق الفقراء والمساكين، الحق يأتى بإنصاف العدالة، العدالة التى قالوا عنها إنها معصوبة العينين فوجدناها للأسف سافرة ترتدى «هوت شورت» على شاطئ الفاسدين لتعود إلينا ذاكرة الظلام فى نسخة جديدة تحمل على سنامها خيبة يظهر منها «العشوائية والتخبط والتردد وغيبة التمييز»..!!
الجماهير تريد عدالة القطة والشمبانزى، الجماهير كانت تنتظر الأفضل، والأحلام كانت فى السماء، والأمل كان سحباً تملأ الآفاق، أما اليوم فلا أحلام بل مخاوف، ولا آمال بل أوهام، ولا أفضل بل «ربنا يستر»..!