بروفايل| إسماعيل ياسين.. رسم البسمة على وجوه الجميع ومات وحيدا
"عيني علينا يا أهل الفن يا عيني علينا، العمر كله عرق ودموع، وشبع أو جوع، نسمع كلام زي الكرابيج، وشقانا بيسموه تهريج".. بهذه الكلمات البسيطة، صعد المونولوج المغمور وقتها، إسماعيل ياسين على خشبة المسرح ليغنيها أمام الجمهور، لكنه فوجيء بانتقادات حادة وساخرة، من وجهه الحاد وشفتاه الممتلئان وأسنانه البارزة وجسده المتهالك غير المتناسق.
لم ييأس المونولوج المغمور، قرر إسماعيل أن يبدأ مرة أخرى، ليتحول "الأضحوكة" إلى نجم الستينيات الكوميدي بلا منازع.
اسمه بالكامل، إسماعيل ياسين علي، من مواليد السويس، لأب ميسور الحال، وأم توفت وهو "طفل"، قضى طفولة بائسة بعد سجن والده، وعاش مع جدته التي تولت تربيته، وسط كل هذا البؤس، لم يكن يراوده سوى حلم "الغناء".
عمل إسماعيل مناديا أمام أحد محال بيع القماش، وهو في عامه الـ16، لكنه حزم أمتعته، وقرر السفر إلى القاهرة، كي يشق طريقه في العالم الذي طمح للوصول إليه.
القاهرة كانت عكس توقعات إسماعيل، لم يجد وظيفة مرموقة كما كان يحلم، فقط "صبي قهوه"، وبعد فترة، استغل شغفه بالغناء في العمل مع الراقصات في الأفراح، لم يحقق ما يكفيه لعيش حياة كريمة، بخاصة بعد سخرية المستمعين منه، فترك الغناء وعمل وكيلًا في مكتب أحد المحامين، ثم "مونولوجست" في فرقة "بديعة مصابني".
"النحس اتفك".. اكتشفه أنور وجدي عام 1945، وأخرج موهبته الكوميدية، في أفلام عديدة، منها "خلف الحبايب، علي بابا والأربعين حرامي، قلبي دليلي"، ومع أول بطولة مطلقة في فيلم "الناصح"، خطف إسماعيل أنظار الجميع، وبدأ يخطو خطواته الأولى كـ"نجم شباك".
"جت الفرصة ومسك فيها".. لم ينظر إسماعيل إلى حجم الربح أو حجم الدور، قدر ما نظر إلى أهمية الدور وتأثيره في أحداث الفيلم، فظهر كـ"سنيد" للبطل، في أفلام "عنبر، الستات ميعرفوش يكدبوا وريا وسكينة" وغيرهم الكثير.
قرر إسماعيل أن يكون أسطورة عصره، وقدم سلسلة من الأفلام حملت اسمه، وحققت نجاحًا منقطع النظير، أبرزها "إسماعيل ياسين في الطيران، إسماعيل ياسين في البحرية، إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين، إسماعيل ياسين في الأسطول البحري وإسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة"، كما مثل في عام واحد 12 فيلمًا تقريبًا.
لم تأخذه أفيشات الأفلام وسحر السينما عن المسرح، واستطاع عام 1954، بمشاركة صديقه الدائم أبوالسعود الأبياري، كتابة تاريخ جديد لهما في المسرح، حيث قدم الثنائي على مدار 12 عامًا، أكثر من 50 مسرحية.
"اللي ضحكنا يا ما سنين.. مات مفلس وجيبه مفيهوش ولا مليم".. أصيب إسماعيل بالقلب، وابتعد عن جمهوره تدريجيًا، كما تراكمت عليه الديون بسبب توقفه عن العمل نهائيا، وحجز الديانة على العمارة التي بناها.
اضطر إسماعيل إلى حل فرقته المسرحية، وهرب إلى لبنان مبتعدًا عن أعين الجميع، وبعد عودته لمصر مرة أخرى، شارك في أدوار صغيرة، كي يستطيع تدبر أحواله، هو وابنه وزوجته، ورحل عن عالمنا "مفلس" و"وحيد" في 24 مايو 1972، تاركا خلفه ثروة من الأفلام والمسرحيات.