بصعوبة شديدة جلست أعتصر أفكارى لعلى أعثر على فكرة لوذعية تصلح كمقال أول لى بالجريدة، ثم قررت أن ألقى نظرة سريعة على السادة كتاب المقالات فى الصحف. ليس من باب محاولة لطش مقال ونسبه لى والمحاكم بينا لا سمح الله، ولكن حتى أخرج أنا بالفكرة التى لم يأت بها الأولون، وقطعاً لن يأتى بها أحد بعدى.
اكتشفت للمصادفة أن الجميع يوجه رسائل للرئيس عبر المقالات، معظم المقالات تبدأ بعبارة «سيدى الرئيس» وبداخل المقال أى هرى والسلام.
المهم أن يبدو السيد -المفكر الفظيع- كاتب المقال أنه يختص الرئيس بخطاب وفكرة لن تنهض مصر بدونها، وآراء يبهت أمامها الرئيس انبهاراً من فرط الإعجاز الذى تحمله. ونصائح سيندم الرئيس أشد الندم ذات يوم لأنه لم ينهر بعد قراءتها ويصدر بها قرارات جمهورية فورية، ويضعها فى متحف القصر لو لزم الأمر.
فكل ما عليك -أيها المثقف الكبير أوى والمفكر الذى عقمت مصر من بعده- هو أن توجه خطاباً للرئيس وتبدو أمام أصحابك وأعدائك لو أمكن، وكأن الرئيس لا يبدأ يومه قبل أن يقرأ رسالتك والدموع تغرق وجهه تأثراً وامتناناً وعرفاناً بالجميل لأنك أنقذته من مصير أسود.
وبدا لى فى ساعة شيطان، أنهم يتسابقون على ذكر اسم «السيسى» وإدخاله فى أى جملة مفيدة أو غير مفيدة. فإذا لم يكن المقال خطاباً شخصياً يسلم باليد للرئيس، فهو يمسه بشكل أو بآخر، وكلما ذكرت اسم «السيسى» أكثر، كلما فهم اللى مش فاهم إنك واصل عند الرئيس. وربما أحبك الله أكثر، ولو زودتها حبتين احتمال تدخل الجنة.
أما إذا كنت من هؤلاء الذين ألهاهم ضميرهم السيئ وأفعالهم الخبيثة عن ذكر «السيسى» وتوجيه خطابات يومية له، عليها قلوب ودباديب حمرا.. فغالباً ربنا لن يوفقك لا فى دنيا ولا فى آخرة.
لا تكن سيئ النية وتظن أنى أقصد أنهم -إلا قليلاً- منافقون بالفطرة، أو أنى -لا قدر الله- أظنهم -إلا قليلاً- يبحثون عن أى مساحة على مرمى نظر الرئيس، أو أن بعضهم -والعياذ بالله- بياكل عيش على أى نظام. إطلاقاً.. أبسولوتلى.. فمصر كيف لها أن تنهض دون رسائل للرئيس و«قلوب حمرا ودباديب».
وبناء عليه، قررت أن يكون مقالى الأول لـ«الوطن» هو رسالة للرئيس، ليس لأنى ماعنديش شخصية، وليس لأن مصر لن تنهض دون رسائلى المهمة الخطيرة الفظيعة للرئيس.. إطلاقاً، ولكن إشمعنى أنا حضرتك. سِلْو بلدنا بيقول كده.. هى جت عليا؟!
إذن، سيدى الرئيس..
تلك أولى رسائلى إليك، أعتذر إنى جيت متأخر. على فكرة أنا بحبك أوى من زمان.. آه والله.. وبحب مصر آخر حاجة.. والسيسى رئيسى.. وتحيا مصر.. وكده يعنى.
وأريد أن أطلعك -سيدى الرئيس- على أمور مهمة وخطيرة وعاجلة، وثق أن مصر ستظل ناقصة نمو بدون أفكارى الخارقة للطبيعة، وآرائى التى لم يأتها الباطل لا من بين يديها ولا من خلفها، فأرجوك امنحنى بعض الوقت والاهتمام.
صحيح أنا معنديش أفكار معينة دلوقتى، لكن مش مهم، المهم تضمنى للبوسطة حضرتك. الأفكار كتيرة، لكن البنى آدمين مايتعوضوش.. والله الموفق.