الموقف المصرى الرسمى من أزمة اليمن وتطورها بالتحالف العسكرى الذى يشن حملة «عاصفة الحزم» يختلف بالقطع عن الموقف السعودى الرسمى، حتى إن كانت مصر ضمن مكونات التحالف الذى يتعامل مع هذه الأزمة المعقدة، وهو وجود محمود فى تقديره الإجمالى، كما تزيد مساحة هذا الاختلاف فى الرؤية والتعاطى ما بين مصر والجزائر بخصوص الوضع المأزوم بدولة ليبيا، والدول الأربع السابق ذكرها يدرك الجانب المصرى بوضوح أهميتها الراسخة لدى الاستراتيجية المصرية بأحكام الجغرافيا والتاريخ وأخوة المصير المشترك، لذلك تبدو الحركة السياسية المصرية المتعلقة بهاتين الأزمتين والدول المرتبطة بها حركة دقيقة فى مساحة مناورة محدودة للغاية، خشية تعقيد ما بداخل المشهدين بأكثر مما يحتمل، وهى سياسة توصف بالتعقل والواقعية لدى المراقبين لكنها فى مقياس البحث عن المصالح المصرية وأمنها القومى قد تبتعد عن هذا التوصيف كثيراً.
عملية عسكرية بشكل عاصفة الحزم باليمن من دون أفق سياسى واضح ومتكامل الأركان تمثل «فخاً نموذجياً» ومستنقعاً جاهزاً لابتلاع أقدام كل المشاركين فيه، وهذا وفق المعادلات اليمنية الداخلية التى يطول شرحها، لكنها نتيجة مطروحة بالفعل بعد شهور من بدايتها ثم توقفها دون حصاد ومن بعد ذلك استمرارها مرة أخرى، مشاركة مصر -كما هو معلن- ببعض من القوات العسكرية بداية اندلاع الأزمة خطوة صحيحة وإن كان يلزمها العمل على مسار موازٍ يحقق حصاداً على الأرض لم يحدث، لذلك كان غياب مصر عن مؤتمر الرياض للأحزاب والقوى اليمنية غير مبرر على الإطلاق وله بعض التخريجات جميعها فى غير الصالح المصرى، إن كان الجانب السعودى قد أراد احتكار العمل السياسى طالما أنه هو القائم بالجهد الأكبر فى العمل العسكرى فهذا اختزال لوضع خطير ومعقد، كان الصوت المصرى -وهو من خارج مجلس التعاون- ضرورياً كما كان ملحاً عند إطلاق الطلقة الأولى، أو أن تكون مصر لا تملك حلولاً سياسية يمكن طرحها واعتماد الأطراف التى ستنفذها وهو ما بدا بالفعل أن القاهرة لا تملكه فى اللحظة الراهنة على الأقل، ولأن الأمر ليس غزوة فى البادية يمكن القبول بالتنازع المكتوم حول من الذى سيمسك بالراية فقد كان من المتصور أن يكون هناك توزيع محكم للأدوار يستفاد فيه من وجود أطراف ذات ثقل فاعل داخل هذا التحالف تستطيع تحقيق النجاح المطلوب، فمصر والإمارات كان لا بد أن تتداخلا بقوة وبأصوات وأدوار متناغمة مع مؤتمر الرياض حتى لا يسقط فى فخ الإفشال السهل، وهو ما تحقق من دون جهد يذكر بمعرفة الطرف الآخر الذى رفض حضور مؤتمر الرياض ودعا إلى مؤتمر آخر فى جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة، وهى معادلة بسيطة تحقق هدف إيران والحوثيين مباشرة بنقل الأزمة من حالة الحسم الممكن إلى غياهب الامتداد الزمنى المطلوب، وهنا غابت مصر واختفى الصوت والدور المصرى المطلوب منها ولها، فهذا الامتداد يزيد وضع الإقليم اشتعالاً ويعقد مشكلات أخرى لها ارتباطات بما يحدث فى جنوب الجزيرة. من المفهوم الرغبة المصرية فى دعم الأشقاء بالخليج أمام مشكلة حقيقية لكن الدور وتنفيذه مصرياً لا بد ألا ينظر إليه كخَصم من أدوار أحد، ومن غير المقبول أن يبدو خجولاً ومتردداً مراعاةً لحلفاء آخرين فهذه مصالح وتهديدات بالإقليم لن تنتظر أحداً وسيدفع الجميع ومنهم مصر فواتيرها لزاماً.
بالانتقال إلى النموذج الآخر الذى تواجه فيه مصر تعقيدات هى فى حقيقتها بحثاً عن مصالح تلك الدول التى تتقاطع مع المصالح المصرية من دون شك، والمقصود هو الموقف الجزائرى مما يحدث فى ليبيا فمصر قطعت شوطاً طويلاً فى العمل على الوصول بالحالة الليبية إلى أقصى ما يمكن تحقيقه، لكن الرؤية الجزائرية وقفت عند محطة ضرورة إشراك كل الأطراف فى أى حلول مستقبلية حتى منهم من يمتلك ميليشيات ويرفع السلاح فى وجه الليبيين، فى حين ارتكز الموقف المصرى على ضرورة دعم البرلمان الشرعى المنتخب والحكومة التى انبثقت منه ووحدات الجيش الوطنى الذى تشكل لمحاربة الانفلات المسلح، وبعد مجموعة من الخطوات المهمة والناجحة التى استطاعت من خلالها مصر أن تحقق زخماً أوروبياً لديه الرغبة فى مساعدة هذا الطرح المصرى، بدا الدور الجزائرى معطلاً وهو يصر على إشراك الجانب الغربى فى طرابلس الذى يعلم الجميع أن ميليشيات فجر ليبيا وهى الذراع الإخوانية تلعب فيه الدور الرئيسى وهى سبب جوهرى للمشكلة القائمة وهى التى تقود عملية منازعة الشرعية مع الحكومة بطبرق فضلاً عن إدارتها للعمل المسلح، لتقع الأزمة الليبية سجينة التباطؤ ومقيدة بهذا التناقض فى المواقف.
لا تمتلك مصر رفاهية الصبر على تلك التهديدات ولا انتظار أطراف آخرين حتى إن كانوا من أشقاء عرب لدينا بالفعل ارتباط وثيق معهم، فقد يفرض الأمر الواقع شيئاً من الاستقلالية والإنجاز حتى يمكن الحديث حول الدور المصرى الحاضر من جهة ولتحقيق أهداف حقيقية تخدم تلك الدول التى بدأت تتساءل بالفعل عن التأثير المصرى.
كل من ليبيا واليمن تشكل، من خلال وزنها الاستراتيجى، ثقلاً حقيقياً لمصر ولا يمكن وضع أى حسابات ما بين تقديم حلول حقيقية لهما من مصر وما بين فرض تنفيذها على الأرض.