على "طائرة الرئاسة": جولات لاستعادة مصر
منذ وصل الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الحكم قبل عام، رسمت السياسات الخارجية المصرية خطاً جديداً تنطلق منه للمرة الأولى فى تاريخها، لتعيد علاقات تفتتت بفعل الزمن بسبب تغاضى الأنظمة السابقة وقلة انتباهها لتلك العلاقات، كما استطاعت السياسات الجديدة فتح أبواب لعلاقات مع دول كبرى توترت العلاقات معها على مدار السنوات الماضية، إلى جانب أزمة تراجع دور مصر الإقليمى وعلاقاتها مع الدول المحيطة، ومشكلة سد النهضة الإثيوبى، والمستجدات الجديدة التى فرضها الأمر الواقع بفعل تفاقم نفوذ التنظيمات الإرهابية والانفلات الأمنى فى دول عدة على رأسها ليبيا المجاورة لـ«مصر».
مؤشرات السياسات الخارجية الجديدة التى رسمتها حكومة «السيسى» خلال الفترة الماضية تشير إلى أن «السياسة الخارجية المصرية تراوحت بين القوة فى دوائر يمكن تسميتها الخطوط الحمراء للسياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس السيسى، واللين فى دوائر كان يتحتم فيها ذلك على غرار مسألة التعاون بين القاهرة وأديس أبابا فيما يتعلق بسد النهضة، وترك مساحة كبيرة للدبلوماسية للتعامل مع تحديات ما بعد 30 يونيو، ومواجهة تحركات الإخوان، لكن هناك بعض الدوائر التى أخفق فيها النظام ولا يزال، بعد أن أصبح الإرهاب كارثة عالمية.
بالنسة للدوائر التى يمكن أن توصف بأنها خطوط حمراء فى السياسة الخارجية المصرية، أولها رفض أى تدخل فى الشأن الداخلى المصرى، خاصة مع الانتقادات التى وُجهت كثيراً للقضاء المصرى فى الأحكم الصادرة عنه تجاه عناصر جماعة الإخوان الإرهابية وارتكزت على رفض أى انتقاد للقضاء المصرى وأحكامه أو أى توصيات دولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان أو حتى ما يطلقه البعض أحياناً من دعوات مصالحة مع جماعة الإخوان، وثانياً أن الرفض لم يفرق بين دولة وأخرى فكان الموقف واضحاً تجاه كل الدول الكبيرة والصغيرة، وهى مسألة كانت مفتقدة فى السياسة الخارجية المصرية وفى سياسة معظم الدول غير الكبرى تجاه انتقادات الدول الكبرى والمنظمات الدولية يكون هناك بلا شك رضوخ نسبى تجاهها. وحتى إن مصر رفضت كثيراً من الضغوط الأمريكية التى مورست عليها مراراً وتكراراً فى ظل التهديد بمسألة المساعدات العسكرية وتعليقها، وهو موقف يُحسب لمصر كذلك.[FirstQuote]
ومن بين الخطوط الحمراء فى السياسة الخارجية لمصر فى عهد «السيسى»، مسألة الأمن القومى المصرى وأمن الخليج العربى، وبرزت بشكل كبير مع تصاعد نفوذ جماعة «أنصار الله» الحوثيين فى اليمن المدعومين من إيران، وهو ما يعنى تهديد أمن مصر باقتراب الميليشيات الحوثية من مضيق «باب المندب»، وتهديد أمن الخليج العربى أحد أهم دوائر السياسة الخارجية المصرية وأولوية أمنها القومى، وانعكس بوضوح فى مشاركة مصر ضمن قوات التحالف العربى بقيادة السعودية.
السياسات الخارجية المصرية فى عهد الرئيس «السيسى» كذلك كان لها توجه آخر نحو عزل دولتى قطر وتركيا اللتين قدمتا دعماً كبيراً لجماعة الإخوان الإرهابية وحاربتا مصر فى المحافل الدولية.
وبالنسبة لتركيا يقول الخبير فى الشئون التركية بمركز الأهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية محمد عبدالقادر خليل، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «مصر وجهت ضربة لمحور تركيا قطر بمشاركتها فى عملية عاصفة الحزم التى جاءت كحلقة جديدة فى العزلة الإقليمية والدولية التى تعانيها تركيا بسبب السياسة الخارجية الخاطئة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فى حين كانت مشاركة مصر مع السعودية تعنى تعاظم محور تحالف الخليج مصر على حساب دعوات التحالف مع تركيا».
الدائرة الأفريقية من بين الدوائر الأهم فى السياسات الخارجية المصرية الجديدة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمسألة مياه نهر النيل وسد «النهضة» الإثيوبى، وكان الرئيس السيسى منذ بداية توليه الرئاسة واضحاً بأنه يولى دول القارة السمراء أهمية خاصة عن ذى قبل فى السياسة الخارجية المصرية. ويقول الباحث المساعد المتخصص بالشئون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد عسكر، لـ«الوطن»، إن «السيسى يتعامل مع دول القارة بمنطق الندية وليس الاستعلاء، وإمكانية التعاون المشترك حتى فى القضية الأكثر خطورة بالنسبة لمصر وهى موضوع سد النهضة». ويضيف: «نجح الرئيس السيسى من خلال عدة أمور أبرزها توقيع إعلان المبادئ مع إثيوبيا والسودان حول مفاوضات نهر النيل، وكذلك تدخل القاهرة للإفراج عن الإثيوبيين المحتجزين فى إثيوبيا، ويبدو أن العلاقات تسير فى اتجاه جيد بين البلدين». وتابع: «كذلك حرص السيسى على زيارة أكثر من بلد أفريقى وكان لكل بلد منها دلالة، ويكفى أنه كان أول رئيس مصر يزور إثيوبيا منذ 30 سنة فى حارج إطار قمة أفريقيا».
وفى إطار محاولة إحداث حالة من التوازن فى السياسات الخارجية المصرية استطاع الرئيس عبدالفتاح السيسى تغيير فكرة أن السياسات الخارجية المصرية تابعة للولايات المتحدة بشكل كامل. ويقول الخبير السياسى الروسى رافائيل مصطفين، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «السياسة الخارجية المصرية اقتربت من روسيا كثيراً فى الفترة الأخيرة حتى لو كان هناك اختلاف فى وجهات النظر حول التعامل مع أزمة سوريا والحوثيين فى اليمن، لكن هناك إصراراً من الطرفين على أن تكون هناك علاقات قوية بين الطرفين». وأضاف: «اتضح ذلك بقوة فى زيارة الرئيس السيسى إلى روسيا والاتفاقات العسكرية التى وقعت بين البلدين، ثم زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى مصر وهى بالتأكيد لها دلالتها على العلاقات بين البلدين». وقال «مصطفين»: «لا أرى أن العلاقات المصرية الروسية ستكون على حساب علاقات مصر بالولايات المتحدة، وهو الجديد هنا، علاقات متوازنة مع جميع الأطراف تتيح لها حرية الحركة والمناورة السياسية».[SecondQuote]
أما القضية الفلسطينية التى توارت كثيراً عن الأنظار فى الفترة الأخيرة بسبب تنامى ظاهرة الإرهاب والتركيز عليها عالمياً، فقد استطاع «السيسى» إحداث حالة من التوازن فى السياسات الخارجية المصرية لا تتغاضى عن مصالح الشعب الفلسطينى، وكان أساس السياسات الخارجية المتعلقة بالشأن الفلسطينى هو الحفاظ على مصلحة الفلسطينيين وعدم القبول بتحركات حركة «حماس» التى تتدخل فى الشئون المصرية. ويقول القيادى بحركة «فتح» الدكتور أيمن الرقب، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «السياسة الخارجية المصرية للرئيس السيسى تقوم على ثوابت رئيسية وهى دعم حقوق الشعب الفسطينى ورفض الانقسام القائم حالياً». وتابع: «حتى رغم تدخل حركة حماس الواضح فى مصر، فإن مصر كانت حريصة على الوقوف إلى جانب الشعب الفسطينى فى غزة فى فترة العدوان الإسرائيلى الأخير».
وبالنسبة للأزمة الليبية، قال السفير إن «الوضع الأمنى فى ليبيا وتمدد نفوذ تنظيم داعش الإرهابى ليس مجرد حدث ليبى داخلى، وإنما هناك قوى دولية تدعم بالسلاح وانقسام داخلى كبير، واستطاعت مصر عقد لقاء للقبائل الليبية شمل معظم القبائل، وهو خطوة فى الطريق». وفيما يتعلق بمسألة القوة العربية المشتركة، قال «حسن» إن «مسألة القوى العريبة المشتركة هناك اعتراض من الجزائر عليها، وهذا يتطلب بذل مزيد من الجهد الدبلوماسى المصرى».