حزب حمدين صباحى: "محدش جه النهارده".. وحزب البرادعى: "هو قالك فين؟"
سيارات تجرى مسرعة، عشرات المارة يسيرون على جانبى الطريق، بائع صحف وكتب يلتف حوله بضعة مواطنين، فريقٌ منهم يكتفى بمطالعة العناوين المجانية، وآخر يسحب نسخاته المفضلة ويواصل طريقه بعد أن يدفع الثمن، محال ومنافذ تجارية تتنافس فى أعمال البيع والشراء وسط عدد لا يحصى من الفاترينات المتجاورة واللافتات التى تتداخل أسماؤها.. حياة لا تهدأ، وحركة لا تتوقف، كُلٌّ فى فَلَكٍ يَسْبَحُون مع الساعات الأولى من صباح يوم، لا يختلف كثيراً عن باقى أيام المصريين، لكن «الوطن» قررت أن تقضيه بطريقة أخرى فى أرض مختلفة، وواقع مغاير، تتوقف فيه الحياة، وتسكن بداخله الحركة، وتمر عقارب ساعته الزمنية بروتين بالغ، وتدق دقاتها بإيقاع ممل ومنفرد وسط سكون تام يسيطر على «دكاكين الأحزاب» الكاسدة بضاعتها، التى لا بيع فيها ولا شراء، المعزولة وراء أسوار شاهقة، وأبواب مغلقة، واجتماعات سريّة لا يعرف المواطن عنها شيئاً، ولا تترك فى حياته أثراً.
حزب الكرامة الذى دشنه حمدين صباحى قبل الثورة، ليظل تحت التأسيس سنوات فى عهد مبارك، لتأتى ثورة يناير بصك الاعتماد للحزب، وثانيهما حزب الدستور الذى أسسه الدكتور محمد البرادعى، فضلاً عن الركام الكبير من المواقف السياسية المتشابهة بين الحزبين تشابهاً إلى حد التطابق، والزيارة المتشابهة كذلك تشابهاً إلى حد التطابق.
فى عمارة شاهقة بحى الدقى فى شارع مزدحم، كانت تطل لافتة «حزب الكرامة» بالطابق الثالث، «اطلع يا أستاذ شوفهم موجودين ولا لأ»، قال حارس العقار، وبعد خطوات قليلة بدت العمارة تكتظ بمواطنين يحضرون واحداً تلو الآخر، وآخرين فى طريقهم للمغادرة، الازدحام الذى جرى اكتشاف سره بعد ثوانٍ، وتبيّن أنه لم يكن مرتبطاً من قريب أو بعيد بحزب أطلقه رجل يحمل على كاهله تجربتين سابقتين فى انتخابات رئاسة الجمهورية، بل ارتبط بشركة توظيف وتدريب كائنة بالعقار نفسه، بينما لم يجد مقر الحزب أحداً يطرق بابه، «الوطن» طرقت بابه الموصود، الباب الذى كان يحمل صورة صغيرة من بوستر قديم لـ«صباحى» مدوّناً عليها شعار «واحد مننا»، وأسفلها لافتة تضامن مع قطاع غزة، وبعد طرق طويل، جاء الرد من الجهة الأخرى، مع خروج أحد العاملين بجمعية مواجهة لمقر الحزب، قائلاً: «ماحدش جه من الجماعة النهارده»، العبارة نفسها التى قالها حارس العقار الكائن به مقر «الدستور» الموجود بالحى نفسه «الدقى»، وبينما كانت لافتة «الكرامة»، الأثر الوحيد الدال على وجود حزب سياسى بالعقار الأول، لم يكن هناك أى أثر دال على وجود حزب بالعقار الثانى.. لا لافتة، ولا شعار، ولا نشاط مُعلن عنه. «فين مقر حزب الدستور لو سمحت؟»، سألنا بعض المواطنين الذين يمرون على بعد أمتار قليلة من مقر الحزب، لتتباين الردود بين: «مش عارف»، و«حزب إيه؟!»، و«الدستور بتاع البرادعى، لا ماعرفش»، حتى جاء الرد الشهير الذى تحوّل إلى ظاهرة واسعة الانتشار، تردده أغلب الألسنة فى الحالات المشابهة: «هو قالك فين؟».