"بلال بن رباح" أول مؤذن في الإسلام.. بصق على الأصنام فعذبه سادته
رجال ونساء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حملوا معه الأمانة وبذلوا كل غالٍ ونفيس من أجل إعلاء كلمة الحق وتحمَّلوا الأسى والحزن والمتاعب من أجل الحفاظ على الدين ونشره ورفع رايته، وإليكم نبذة عن الصحابي الجليل بلال بن رباح الحبشي.
شديد السمرة نحيف الناحل مفرط الطول حبشي من أمة سوداء، عبدًا لأناس من بني جمح بمكة، حيث كانت أمه إحدى إمائهم، ولقد بدأت أنباء محمد تنادي سمعه حين أخذ الناس في مكة يتناقلوها، وكان يصغي إلى أحاديث سادته وأضيافهم، دخل بلال يومًا الكعبة وقريش في ظهرها لا يعلم، فالتفتَ فلم يرَ أحداً، أتى الأصنام وجعل يبصُقُ عليها ويقول: "خابَ وخسرَ من عبدكُنّ"، فطلبته قريش فهرب حتى دخل دار سيده عبدالله بن جدعان فاختفى فيها، ونادَوْا عبدالله بن جدعان فخرج فقالوا: "أصبوتَ؟" قال: "ومثلي يُقال له هذا؟ فعليَّ نحرُ مئة ناقةٍ للاَّتِ والعُزّى"، قالوا: "فإنّ أسْوَدَك صنَع كذا وكذا"، فدعا به فالتمسوه فوجدوه، فأتوهُ به فلم يعرفه، فدعا راعي ماله وغنمه فقال: "من هذا؟ ألم آمُرْك ألا يبقى بها أحد من مولّديها إلا أخرجته؟" فقال: "كان يرعى غنمك، ولم يكن أحد يعرفها غيره "فقال لأبي جهل وأمية بن خلف: "شأنكما به فهو لكما، اصنَعا به ما أحببتُما" وتجثموا الأرض فوق صدر أمية بن خلف الذي رأى في إسلام عبد من عبيدهم لطمة جللتهم بالخزي، فقال أمية: "إن شمس هذا اليوم لن تغرب إلا ويغرب معها إسلام هذا العبد الآبق".
وبدأ العذاب فقد كانوا يخرجون به في الظهيرة في صحراء مكة، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو من غير لباس، ثم يأتون بحجر متسعر ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه، ويصيح به جلادوه: أذكر اللات والعزى فيجيبهم: "أحد أحد".
وإذا حان الأصيل أقاموه، وجعلوا في عنقه حبلًا، ثم أمروا صبيانهـم أن يطوفوا به جبال مكة وطرقها، وبلال لا يقول سوى: "أحد..أحد"، قال عمار بن ياسر: كلٌّ قد قال ما أرادوا ويعني المستضعفين المعذّبين قالوا ما أراد المشركون غير بلال ومرَّ به ورقة بن نوفل وهو يعذب ويقول: "أحد أحد"، فقال: "يا بلال أحد أحد، والله لئن متَّ على هذا لأتخذنّ قبرك حَنَانًا"، أي بركة، وذات يوم، كان أمية بن خلف يضرب بلالاً بالسوط، فمرَّ عليه أبو بكر، فقال له: "يا أمية ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ إلى متى ستظل تعذبه هكذا؟" فقال أمية: "أنت أفسدته فأنقذه مما ترى"، وواصل أمية ضربه لبلال، وقد يئس منه، فطلب أبوبكر شراءه، وأعطى أمية ثلاث أواقٍ من الذهب نظير أن يترك بلالًا، فقال أمية لأبي بكر الصديق: "فو اللات والعزى، لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعته بها"، فقال أبو بكر: "والله لو أبيت أنت إلا مائة أوقية لدفعتها".
وبعد هجرة رسول الله والمسلمين إلى المدينة، آخى الرسول بين بلال وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشرع رسول الله للصلاة أذانها، واختار بلالًا ليكون أول مؤذن في الإسلام، وعاش بلال مع رسول الله يشهد معه المشاهد كلها، وكان يزداد قربًا من قلب رسول الله الذي وصفه بأنه رجل من أهل الجنة وجاء فتح مكة، ودخل رسول الله الكعبة ومعه بلال، فأمره أن يؤذن، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة: إلى علي، وعمّار وبلال"، وكان آخر الأذان له يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس توسل المسلمون إليه أن يحمل بلالاً على أن يؤذن لهم صلاة واحدة، ودعا عمر بن الخطاب بلالاً، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها، وصعد بلال وأذن فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا الرسول وبلال يؤذن، وبكوا كما لم يبكوا من قبل، وكان عمر أشدهم بكاءً.