فى «الحسين».. سحور بطعم «الزمن الجميل»
حتى فى الساعات المتأخرة لا يختفى الصخب عن شوارع منطقة الحسين والأزهر التاريخية فى ليالى شهر رمضان، يدور الطبّالون والعازفون بجلابيب بيضاء وأوشحة وعمائم خضراء، وفى زاوية أخرى يدور راقصو التنورة فاتحى الأذرع، فيما يسكب السقاة القهوة والعصائر للضيوف، تسطع فى ناحية أضواء مآذن جامع الحسين، وفى ناحية أخرى يخفت الضوء المسلط على الأحجار القديمة المتعرجة على حوائط المبانى الأثرية.
بين الحين والآخر، تستضيف المراكز الثقافية فى بيت السحيمى وتحت الربع حفلات موسيقية صوفية، ما يساعد على جذب أعداد أكبر من الوافدين إلى منطقة الحسين، وتمتاز المنطقة القديمة ببازارات بيع التحف الأثرية والمقتنيات ذات الطابع المصرى، لكن تزداد فى رمضان كميات الفوانيس النحاسية المصنوعة لدى ورش النحاس فى منطقة الجمالية.
عربات الفول التى تعرف أماكنها بشكل موسمى، يشرف العاملون عليها على «تسحير» أعداد هائلة من الوافدين إلى شوارع منطقة الحسين، التى على رأسها شارع المعز لدين الله، الذى تمنع قوات الشرطة السيارات من دخوله، فيما يملأه المارة من الجنسين.
للأطفال نصيب من الزيارات الرمضانية للمنطقة بشراء المقرمشات التى يتجول بها البائعون، وحلوى حب العزيز والحمص، وفى الوقت ذاته يتصاعد فى أجزاء منها دخان المشويات التى تعدها المطاعم المواجهة لمسجد الحسين، حيث تتفاوت مستويات المحلات والمطاعم، فمنها مطاعم المشويات والحمام وصولاً إلى عربات الفول التى تنتشر فى رمضان وتختفى بعده.
يحرص عمال البازارات فى شارعى خان الخليلى والمعز وغيرهما، على السهر إلى ما بعد صلاة الفجر أحياناً، فيقول عبدالوهاب إبراهيم، وهو أحد العاملين فى واحد من تلك البازارات، إن «رمضان واحد من المواسم التى يزداد فيها الإقبال على البازارات، لكن كل الزبائن فى ذلك الوقت مصريو الجنسية، وبالتالى فهم لا يشترون السلع غالية الأثمان وإنما الأشياء التذكارية البسيطة».
أكوام من التوابل فوّاحة الرائحة تنتشر على جانبى الشارع ذى الأرضية الحجرية، ومشغولات نحاسية تلمع تحت المصابيح الصفراء والطرابيش وتلال من التمور. وفيما ينشر أصحاب «عربات الفول» طاولات لزبائنهم فى الشوارع الجانبية فى المنطقة، فإن المطاعم الكبرى والمعروفة فى ساحة مسجد الإمام الحسين قد حجزت مكانها المعتاد.
فى مقابل بيت زينب خاتون الأثرى، وإلى جوار بيت العود والست وسيلة، قدّم العازفون على العود أغنيات لإضفاء أجواء رمضانية على الخيمة التى أقامها أحد المقاهى، الأنوار بألوان مختلفة، تسلط ضوءها على أستار الخيمة التى تكسو حوائط الساحة، فيما يطوف النادلون وعمال المقهى بين الزبائن الذين اتكأوا على مساند وأوسدة ملقاة على الأرض.
تماثيل لمطربين معروفين، منهم أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، وأخرى لرؤساء مصريين سابقين، يضعها أصحاب بعض المقاهى عند مداخل مقاهيهم، فضلاً عن صعود بعض الراقصات والراقصين للرقص فيما تؤدى التخوت بعض الأغنيات التى يتفاعل معها الموجودون فى المقاهى لا سيما الشباب.
قبيل الفجر بدقائق، يخف الزحام من الشوارع الجانبية، فى حين يتكدس زائرو المنطقة فى ساحة مسجد الحسين وفى الباحة الداخلية بجامع الأزهر.
عند بوابات مسجد الإمام الحسين يحبس بائعو العطور بزجاجات المسك والعنبر بين أصابعهم، فيما يدهنون كفوف المصلين بالعطر قبل دلوفهم من باب المسجد. شيئاً فشيئاً تقل أعداد الموجودين، حتى تختفى تماماً بعد دقائق من انتهاء صلاة الفجر، حيث يقل الضجيج لأول مرة قبل شروق الشمس.