فى حلقة برنامج «ممكن» يوم الجمعة 9/11/2012 استضيف المفكر المعروف الدكتور عمار على حسن والشيخ محمد الصغير، النائب السابق مستشار وزير الأوقاف، فى حلقة تحولت لشبه مناظرة بين الطرفين، وبما أننى أنتمى فكريا للعمامة الأزهرية التى يرتديها الشيخ الصغير، ودلالتها المتمثلة فى الوسطية، إلا أن الشيخ الصغير، وللحق، ظهر كأنه ليس أزهريا ولا متضلعا من علوم الأزهر.
منذ مدة كان الأزهريون يدرسون فى القسم الثانوى من التعليم الأزهرى كتابا اسمه «رسالة الآداب فى علم آداب البحث والمناظرة» للمحقق الكبير محيى عبدالحميد؛ لذا كان لزاما على الشيخ الصغير أن يطلع عليها، ويطبق مسائلها قبل أن يظهر على التلفاز مع الدكتور عمار الذى أجاد ببراعة قواعد المناظرة، ووجه أسئلة محددة، فى موضوع محدد، بلغة علمية ناضجة، بل كان مترفقا بالشيخ الصغير، فى الوقت الذى خرج فيه المشاهدون وهم لا يعلمون من الشيخ كيف نطبق الشريعة، ولا من الذى يطبقها!
إن المناظرة هى «تردد الكلام بين شخصين يقصد كل واحد منهما تصحيح قوله، وإبطال قول صاحبه، مع رغبة كل منهما فى إظهار الحق»، ومن قواعدها أنها لا تجرى أصلا فى القول المفرد أو ما يماثله، فلا يتصور أن تجرى المناظرة حول كلمة «تطبيق الشريعة»، بل تجرى حول مفهوم التطبيق ووقته ومن يقوم به، وهو ما لم يستطع الشيخ فهمه طوال الحلقة، فى الوقت الذى التزم فيه الدكتور عمار بأسس النقاش.
إن مما يبعث على العجب أن أغلب الذين يخرجون على الفضائيات لا يكلفون أنفسهم عناء جمع المعلومات الكافية والموثوقة، ولا يعرفون مكانة الضيف الآخر وقدراته.. ظننتَ يا شيخ أن الدكتور عمار لقمة سائغة يؤخذ بالصوت كما العوام، ولم تستوعب أنه قامة بحثية فكرية، وكاتب متضلع من العلوم المختلفة وليس هاوياً، فإما أن تقف أمامه موقف المتعلم، ولا ضير فى هذا، وإما أن تناظره لو قدراتك العلمية تسمح بهذا.
سأضرب مثالا واحدا من أمثلة كثيرة للدلالة على تشتت الشيخ ومخالفته لقواعد المناظرة، وهو ما أتمنى ألا يتكرر، خاصة ممن يرتدى الزى الأزهرى ولو ظاهرا:
د. عمار: قل لى يا شيخ محمد، من الذى يطبق شرع الله؟
الصغير: المجامع العلمية.
خيرى رمضان: طب ما الأزهر مجمع علمى، وهو موافق على كلمة «مبادئ»، فلماذا المليونية إذن؟
الصغير: علشان لما جاءت الثورة أزالت النظام كله، وليس مبارك فقط، لقد ضحى الشهداء بأرواحهم ودمائهم من أجلها فلا بد من العمل لهم!!
بالله عليك يا مولانا، ما ارتباط هذه الإجابة بالسؤال؟ إلا إذا كانت من باب القارئ الذى تلا (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا)، فأدخل من سورة يوسف فى سورة لقمان فى سورة الطارق، وظهر الكلام منسجما أمام العوام كأنه بالفعل كلام الله، وفى الحقيقة الكلام بتركيبته هذه لا علاقة له بالقرآن.
الخطورة ليست فى هذا وفقط، بل فى الخطبة التى ألقاها فى مليونية تطبيق الشريعة، وكانت مفعمة بالعبارات التى تدعو الشباب للجهاد من أجل تطبيق الشريعة، وأن «السادات قدم للشرع ما لم نقدمه اليوم، وأن مرسى خرج من وادى النطرون ليحكم بشرع الله»، ولم يقل ما مفهوم الشريعة ومن يطبقها ولمن يوجه كلامه.. ترك الشباب العاطل الفقير الجائع وسط ضجيج الشعارات وضبابية المشهد وانعدام الرؤية، بلا حل ولا خطوات محسوبة، بعد أن دغدغ مشاعرهم، وذهب هو آمنا مطمئنا فى فيلته الفخمة بـ6 أكتوبر. يا شيخ محمد، متى نسمع منك خطابا يحرك القلب ويصنع وراثة النبوة ويرتقى بالمستمع فى اتساق وربانية ومحمدية، ونحس أنه موصول بالله ونازل من مقام الألوهية لمخاطبة الإنسان النبيل؟!