بروفايل| الشيخ زويد.. مدينة "الرجل الصالح" المفخخة بالإرهاب
طريق دولي على ضفافه تستقر مجموعة من المنازل بشكل عشوائي، نقاط تفتيش عند مدخل كل قرية، حظر تجول مفروض على المدينة بعد آذان المغرب، صحراء ضربها الإهمال والإرهاب، قرى تخلو من أي معالم للبني التحتية، هذا هو الوصف المناسب لمركز ومدينة الشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء، التي أصبح اسمها يرتبط بالإرهاب في الفترة الأخيرة.
في قرى جنوب المدينة، يستقر المئات من العناصر التكفيرية، التي أعلنت بيعتها لتنظيم "داعش" الإرهابي مؤخرًا، تحت مسمى جماعة "أنصار بيت المقدس"، يتربصون بقوات الجيش، حانت اللحظة الحاسمة بالنسبة لهم، فبالتزامن مع شروق الشمس، كانت الخطة الموضوعة جاهزة للتنفيذ، زرعت العبوات الناسفة لمنع إمدادات الجيش عند الهجوم، بينما جهزت "المفخخات"، التي ستضرب الكمائن.
الخطة المحكمة نفذت بدقة من قبل العناصر الإرهابية، ليستيقظ الأهالي اليوم على أصوات الانفجارات، ورائحة الدماء التي ملأت الشوارع، سقط بعدها عشرات من جنود الجيش شهداء، فيما يطارد الجيش العناصر المهاجمة، بالطائرات.
كان الرجل الصالح "زويد" يجلس في بيت متواضع وسط مجموعة من الخيم والعادات والتقاليد البدوية، يحل مشاكل الناس ويقضي بينهم بالحق، فلما مات قررت القبائل تخليد ذكراه، فسمت المنطقة بأكلمها باسمه، لكن مدينة "الرجل الصالح" تغيرت، وأصبحت شاهدًا على أكثر الأحداث عنفًا ودموية في تاريخ مصر، ليظل ضريح الشيخ "زويد"، الذي يعرف بأنه قبر لأحد صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث توفي أثناء قدومه إلى مصر مع الفتح الإسلامي تحت راية القائد عمرو بن العاص، شاهدًا على ما يحدث في المدينة من إرهاب.
يبلغ سكان مدينة الشيخ زويد 51 ألفًا و527 نسمة، وفقًا لآخر إحصائية عام 2010، ويقيم فيها عدد من القبائل البدوية، أكبرها قبيلة السواركة، إضافة إلى قبائل أخرى، مثل الرميلات والريشات وبعض من قبيلة الترابين، وتشتهر المدينة بزراعات الكنتالوب والخوخ واللوز والحمضيات، وتعاني المدينة من إهمال في التنمية الصناعية، وهو ما شجَّع البعض على العمل بتجارة المخدرات والسلاح والأنفاق والتهريب.
تميَّزت "الشيخ زويد" التي تبعد عن مدينة العريش بنحو 40 كيلومترًا، بوقوعها على ساحل البحر المتوسط، ما جعل الاحتلال الإسرائيلي قبل حرب أكتوبر، ينشئ أكبر مستوطنة فيها، وتوجد بها حاليًا ما يعرف بـ"صخرة ديان"، التي بنتها إسرائيل وكتبت عليها أسماء الطيارين الإسرائيليين الذين لقوا حتفهم بمدينة الشيخ زويد، وحاول الأهالي هناك أكثر من مرة تحطيم الصخرة، إلا أن قوات الأمن منعتهم؛ بسبب وجود معاهدة سلام تمنع التعدي على هذه الصخرة.
كانت بداية غزو الفكر التكفيري للمدينة، عندما ظهر الدكتور خالد مساعد طبيب الأسنان، الذي كان يعرف بخلقه وتدينه، وهو أحد أبناء قبيلة السواركة، قبل أن يضع نواة تشكيل أول تنظيم جهادي يحارب الدولة، وينتقد كامب ديفيد بالسلاح عام 2000، عندما أسس تنظيم "التوحيد والجهاد"، والذي نسب إليه العديد من التفجيرات والعمليات الإرهابية في مصر، منها تفجيرات عام 2005 بجنوب سيناء، ونجحت الشرطة بمساعدة القبائل في القضاء على التنظيم بعد تفجيرات طابا، لكن بعد اقتحام السجون في ثورة يناير، عادت فلول هذه العناصر في الظهور من جديد، وأنشأوا عدة تنظيمات منها "أنصار بيت المقدس".
وتنقسم الشيخ زويد إلى عدة ضواحي، وهي "اللفيتات، أبوطويلة، الجورة، العكور، الزوارعة، الظهير، أبوالعراج، الشلاق، المقاطعة، الخروبة، التومة، القريعة، قبر عمير، أبوالفيتة، السكادرة، المهدية"، وكلها قرى تتعرض لمداهمات بشكل يومي على يد الجيش المصري، نظرًا لوجود عناصر إرهابية بداخلها، إلا أن بعض القرى تميَّزت بخطورتها، منها قرية التومة التي دخلتها قوات الجيش لأول مرة منذ حرب أكتوبر، بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، كذلك قرية المهدية التي تعرف أنها أخطر مربع سكني وملجأ للإرهابيين، وتنتشر فيها تجارة المخدرات والسلاح وتهريب البضائع إلى غزة، والتي لا تبتعد أكثر من 2 كيلومترات عن القرية.
أصبحت مدينة الشيخ زويد بقراها، شاهدة على مقتل أخطر العناصر الإرهابية في مصر، ففي صباح يوم 24 مايو، قتلت قوات الأمن العقل المدبر لـ"بيت المقدس" أثناء استقلاله سيارته بالشيخ زويد، كما قتل أخيه خالد بعد أقل من شهر في نفس المدينة، وقبضت قوات الأمن على عادل حبارة، أثناء اختبائه بقرية التومة بالشيخ زويد، وبعد ثورة يناير وتفجير قسم شرطة الشيخ زويد، شهدت المدينة الكثير من الحوادث الإرهابية، منها حادث مجزرة رفح الأولى، التي راح ضحيتها 16 شهيدًا من قوات حرس الحدود، ثم مذبحة رفح الثانية، التي وقعت بين مدينتيّ رفح والشيخ زويد، وراح ضحيتها 25 جنديًا من الشرطة، ثم مذبحة الشيخ زويد التي راح ضحيتها 11 جنديًا، بعد تفجير حافلة نقل جنود بالشيخ زويد، ثم حادث استشهاد عميدين من الشرطة والجيش منذ عدة أيام وغيرها من الحوادث الخطيرة الإرهابية.
واستهدف الإرهابيون ضريح الشيخ زويد، بعد ثورة يناير، الأمر الذي أثار حفيظة القبائل، وبادروا بإعلان مساعدتهم للجيش، ورغبتهم في التخلص من الإرهاب، فردت عليهم الجماعات المتطرفة باستهداف الشيخ خلف المنيعي، وغيره ممن يثبت تعاونه مع الأمن، ما أدى إلى تحول المدينة إلى ثكنة عسكرية، في ظل معاناتها من تدهور أمني واستهداف الإرهابيين لقوات الأمن من فترة لأخرى.