من المؤكد أن شهر رمضان أصبح احتفالية درامية وإعلانية أكثر منه احتفالية روحانية تفرض نفسها على المواطن وعلى كل من يمسك قلماً ولو على سبيل تغيير الموضوعات. ومن منظور شخصى بحت أسجل بعض الملاحظات. إن التفكير لدى الغالبية من القنوات والقائمين عليها يعكس بل يرسخ مفهوم التطرف. فقبل رمضان طوفان من البرامج السياسية وكأن حياة الناس سياسة فى سياسة وليتها تأتى متوازنة وإنما هى سيل فى أغلبه يحمل شلالات من الكآبة. وإذا جاء رمضان يأتى طوفان الدراما والتسلية وبرامج المقالب السخيفة وكأن المجتمع يصوم عن تناول قضاياه الحقيقية. هكذا يأتى التخطيط والبرمجة الإعلامية لتغيب عقول الناس وتعكس نوعاً من عدم الذكاء فى الاستفادة من ارتفاع نسبة المشاهدة لتنوير الرأى العام. ثانياً إن هذا الزحام الدرامى وللأسف الشديد وكما قلت مراراً فإنه محرقة ليؤثر سلباً على بعض الأعمال المتميزة، فهل ينكر أحد عمق وإيجابية مسلسل «تحت السيطرة» فكراً وإخراجاً وتمثيلاً؟ فهذا العمل تغلغل ليعالج واحدة من أخطر ظواهر القضاء على عقول مجتمعنا، وفى مقدمته شبابنا، إنه مسلسل سيطر على اهتمام الأسر وكان يمكن أن تزيد سيطرته لو كانت الشاشات أقل تكدساً. كما لا يفوتنى أن أنوه ببراعة الأداء وصدق الدراسة، والمعايشة للمصرية العالمية دون مبالغة لنيللى كريم.
هذا التكدس كاد أن يضع نهاية لما بعد البداية ذلك المسلسل الراقى فى حواره وأداء نجومه وفى مقدمتهم طارق لطفى الذى أعاد اكتشاف نفسه وقدراته شأنه فى ذلك شأن النجم العائد أحمد عبدالعزيز فى مسلسل «حق ميت» ومعه بالطبع الممثل ذو الطعم الخاص حسن الرداد.
ولا أستطيع أن أغفل بالطبع الموهوب حتى النخاع خالد النبوى المتمكن من أدواته وقدراته فى دور وفى مسلسل لا أشك أيضاً أنه يمكن مشاهدته فى أوقات أخرى للتمتع بكل عناصره الإخراجية والتمثيلية، وذلك فى مسلسل «مريم» الذى يظهر بوضوح سخاء الإنتاج وتميزه.
أما النجم الذى يمكن أن يجبرك ودون ملل أن تتابعه حتى لو كان يمثل المسلسل وحده بأكمله الفنان الذى لا تعرف لماذا، إنه عميق الثقافة بالمعنى الواسع إنه خالد الصاوى، الذى أشك أن مسلسله قد حظى بالمشاهدة الكافية. ألم أقل ومعى الكثيرون إن الزحام الدرامى محرقة لكل ما هو جميل وراقٍ فى ظل كم هائل من السباب والقبح المرئى واللفظى الذى امتلأت به أغلب المسلسلات.
وفى ظل سحب الاكتئاب وغابة السباب تأتى وعلى استحياء الابتسامة الراقية والكوميديا الاجتماعية الواقعية والطبيعية عبر مسلسل «يوميات زوجة مفروسة أوى»، إنه عمل يعيد الدراما والكوميديا المصرية الهادفة، تحية لمن كتبه ومن أخرجه وكل نجومه.
وما دمت أناقش الدراما فإننى أرجو أن نفتح حواراً متفتحاً حول المعالجة السلبية وبتدبير واضح للصورة الذهنية لرجل الشرطة مما يعمق الهوة بين المواطن ورجل الشرطة فى وقت نحن أحوج إلى مد جسور الثقة بينهما. بحق لقد حاولت أن أتناول سواء بالسلب أو الإيجاب برامج الترفيه، خاصة برامج المقالب المتشابهة والمنقولة نصاً والمكلفة جداً فوجدت قلمى رافضاً لتناولها تماماً. وقبل أن أنهى هذا الفاصل دعونى أشيد بالأداء المتجدد والذكى والعصرى البسيط والعميق فى ذات الوقت للعالم د. على جمعة الذى يعرف مفاتيح الخطاب المؤثر. عذراً لم أتناول مسلسل الزعيم عادل أمام نظراً لموعد إذاعته بحكم وجودى فى ذلك الوقت فى أجمل وأشرف بقعة فى مصر حالياً فى قناة السويس الجديدة التى أتمنى أن يفتح الله بصيرة صناع الدراما لينسجوا منها أروع القصص والمواقف الحية والحقيقية فى حياة شعب مصر.