طنطاوى رفض تكليف الشاطر بـ"الحكومة" مقابل استثمارات بـ200 مليار دولار
فى الحلقة السابعة من كتابه المهم والخطير «لغز المشير»، الذى سيصدر قريباً عن «الدار المصرية اللبنانية للنشر»، يكشف الكاتب الصحفى مصطفى بكرى عن تفاصيل المباحثات التى جرت بين المجلس العسكرى وقادة الأحزاب الممثلة فى البرلمان وعدد من النواب المستقلين، للتوصل إلى اتفاق مقبول بشأن تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور. ويرصد المؤلف الأسباب الحقيقية التى دعت الإخوان إلى الانقلاب على حكومة «الجنزورى» والضغط على المجلس العسكرى لإقالتها فوراً، وكذلك الإنذار الشهير الذى أعلنه رئيس مجلس الشعب من على شاشة قناة «الجزيرة» يمنح الحكومة مهلة أيام محدودة للاستقالة، وإلا فإن البرلمان سيلجأ إلى إقالتها. ويكشف الكاتب عن حقيقة تهديدات «الجنزورى» لـ«الكتاتنى» بحل مجلس الشعب وتفاصيل اللقاء الثلاثى الذى جرى فى سرية تامة بين «الجنزورى والكتاتنى» بحضور الفريق سامى عنان يوم الخميس 22 مارس.
ويروى الكاتب عن مصادر عليا داخل المجلس العسكرى تفاصيل العرض الذى قدمه محمد مرسى وخيرت الشاطر وسعد الكتاتنى بتكليف خيرت الشاطر بتشكيل الحكومة مقابل 200 مليار دولار استثمارات تضخ إلى مصر، وكيف رفض المشير طنطاوى هذا العرض رغم موافقة أغلبية أعضاء اللجنة المكلفة بهذا العرض.
بعد الإعلان عن انتخاب الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور الدائم للبلاد، زادت حدة الانتقادات فى الشارع المصرى، وأعلن العديد من القوى والأحزاب والمجتمع المدنى رفض الطريقة التى جرى بها انتخاب الجمعية، وهددوا بالمقاطعة ورفض الدستور الذى سيُعد بواسطتها.
فى هذا الوقت، دعا المشير طنطاوى إلى اجتماع للقيادة العسكرية، حيث تمت مناقشة تداعيات هذا الحدث، وخطورة انفراد الإخوان والسلفيين بتشكيل الجمعية التأسيسية، واستمر النقاش عدة ساعات، تم فيها بحث الخيارات المطروحة، وجرى الاتفاق على دعوة الأحزاب السياسية الممثلة فى البرلمان وعدد من النواب المستقلين للاجتماع بعدد من قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
تم الاتفاق فى حينه على أسماء رؤساء 19 حزباً ممثلين فى البرلمان وثلاثة من النواب المستقلين هم مصطفى بكرى وياسر القاضى ومريام ملاك، وتم تحديد السابع والعشرين من مارس 2012 موعداً للاجتماع فى مبنى وزارة الدفاع.
كان وفد المجلس العسكرى مكوناً من المشير طنطاوى رئيس المجلس، والفريق سامى عنان نائب رئيس المجلس ورئيس الأركان، وعدد من أعضاء المجلس، مساعدى الوزير، أبرزهم اللواء عبدالفتاح السيسى مدير المخابرات الحربية، واللواء محمد العصار، واللواء سامح صادق، واللواء ممدوح عبدالحق، واللواء ممدوح شاهين، واللواء عادل عمارة، واللواء أحمد أبوالدهب مدير الشئون المعنوية.
وفى هذا اللقاء تحدث المشير طنطاوى مطولاً عن ضرورات التوصل إلى اتفاق حول سُبل الخروج من أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية. وأكد المشير أنه يحترم البرلمان كمؤسسة شرعية، لكن نظراً لأن الدستور الجديد هو دستور لكل المصريين، لذا لزم التوافق حوله من أبناء الأمة جميعاً.
وقال المشير: إن عنصر الزمن عامل مهم فى تلك المرحلة والتوقيتات الزمنية تحكمنا، خاصة أن المجلس العسكرى مصمم على تسليم السلطة فى الموعد المحدد سلفاً آخر يونيو.
وتحدث فى هذا اللقاء عدد من رؤساء الأحزاب وممثلو المستقلين، الذين أبدوا قلقهم من تشكيل الجمعية التأسيسية، وطالبوا بأن يتم التشكيل بالتوافق وتحت رعاية المجلس العسكرى.
انتهت الجلسة فى هذا اليوم بعد نحو ست ساعات من انعقادها، وقد طلب منى المشير طنطاوى فى هذا الوقت أن أتولى إعلان البيانات الصادرة عن الاجتماعات وعقد المؤتمرات الصحفية لشرح حقائق ما جرى.
وقُبيل عقد الاجتماع الثانى يوم الخميس 29 مارس، جمعنى لقاء مطول مع الفريق سامى عنان، لدراسة آخر تطورات الموقف وتقييم الجلسة السابقة.
وبالفعل مع بدء عقد الجلسة الثانية التى استمرت نحو أربع ساعات تقريباً، طلب المشير طنطاوى من الحاضرين ضرورة التوصل إلى اتفاق سريع فى هذه الجلسة، وقال: «إن الشعب كله ينتظر موقفكم وأتمنى أن تكونوا عند مستوى التحديات التى تواجه البلاد»!!
ورغم المناقشات المطولة، لم ينجح قادة الأحزاب فى الوصول إلى حل يُنهى هذه الأزمة، وجرى الاتفاق فقط على ما سبق أن أكدته الأحزاب والقوى السياسية من مبادئ عامة لصياغة الدستور والمطالبة بتشكيل لجان نوعية فنية تكون مهمتها معاونة الجمعية التأسيسية وتقديم خبراتها فى إعداد وصياغة ومراجعة النصوص الدستورية.
فى العاشر من أبريل أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكماً يقضى بحل الجمعية التأسيسية للدستور، بسبب عدم مراعاتها أحكام المادة 60 من الإعلان الدستورى، والإصرار على انتخاب نصف أعضائها من نواب مجلسى الشعب والشورى.
وقد أثار الحكم ردود فعل واسعة، مما استدعى من المجلس العسكرى أن يدعو مرة أخرى إلى عقد لقاء جديد فى الخامس عشر من أبريل بحضور الأحزاب ذاتها وممثلى المستقلين.
وقد حدثت مشادات متعددة فى هذا اللقاء، خاصة عندما قال المشير طنطاوى إنه لن تجرى انتخابات رئاسة الجمهورية دون دستور دائم للبلاد، وتم التوافق فى هذا الاجتماع على ضرورة تحديد موعد لرؤساء الأحزاب الممثلة للبرلمان وبعض النواب المستقلين مع رؤساء الهيئات البرلمانية للأحزاب داخل مجلسى الشعب والشورى لعقد اجتماع مع رئيس مجلس الشعب، وذلك للاتفاق حول قواعد تشكيل الجمعية التأسيسية، ثم العودة مرة أخرى للاجتماع مع المشير طنطاوى ووفد المجلس العسكرى يوم الأحد 21 أبريل 2012، على أن يتلو ذلك توجيه الدعوة من رئيس المجلس الأعلى إلى مجلسى الشعب والشورى، للانعقاد وانتخاب الجمعية التأسيسية على الفور.
وقد طلب د. محمد مرسى خلال الاجتماع منى أن أتولى شخصياً هذا الأمر، وأن ألتقى بالدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب، وأبلغه بما تم الاتفاق عليه، للبدء فوراً فى عقد الاجتماع المرتقب.
وبعد انتهاء الاجتماع، وقُبيل تناول طعام الغداء مباشرة، طلب منى محمد مرسى أن أعد له لقاءً مع المشير طنطاوى حتى يمكن تصفية آثار الأزمة الناشبة بين الإخوان والمجلس العسكرى التى نجمت بعد اتهام الإخوان للمجلس بالإعداد لتزوير الانتخابات الرئاسية ورد المجلس الحاد على الجماعة، وكنت أجلس دوماً على المائدة الرئيسية مع المشير والفريق عنان ومعنا د. السيد البدوى رئيس حزب الوفد، وفى هذا الوقت أبلغت المشير برغبة محمد مرسى فى الاجتماع معه جانباً، إلا أن المشير قال إنه مرتبط بموعد مسبق وليس لديه وقت، وهنا طلب المشير من اللواء عبدالفتاح السيسى واللواء العصار واللواء ممدوح شاهين الجلوس مع محمد مرسى، واشترط ضرورة حضورى، لأكون شاهداً على هذا الموقف.
وبالفعل جلسنا ومعنا محمد مرسى فى الصالون الملحق بقاعة الاجتماعات، وقد قلت فى بداية اللقاء إن د. محمد مرسى لديه بعض الإيضاحات لموقف الإخوان يريد إبلاغها، ثم استأذنت وانصرفت لعقد المؤتمر الصحفى الدورى فى أعقاب كل اجتماع بحديقة وزارة الدفاع، هبطت إلى الدور الأول، حيث ينتظر الصحفيون عقد المؤتمر الصحفى، واستمر المؤتمر لأكثر من نصف الساعة، وكان السؤال الأهم: ماذا يعنى المشير بمقولة إن الانتخابات الرئاسية لن تجرى إلا بوجود دستور جديد للبلاد؟
وقُبيل نهاية المؤتمر الصحفى بقليل، جاء إلينا د. محمد مرسى، وبعد انتهاء المؤتمر طلب منى أن نتجول معاً فى حديقة الوزارة، لأنه يريد أن يبلغنى بما جرى خلال اللقاء مع أعضاء المجلس العسكرى الذين التقى بهم..
وبالفعل، بدأ محمد مرسى يحكى لى باختصار ماذا حدث، فقال إن اللواء عبدالفتاح السيسى شخصية واعية جداً، وإنه رجل مسيس، وشعر بالصدق فى كلامه، وإنه مرتاح جداً لهذا اللقاء، وقال.. أعتقد أن الأزمة انتهت وسأبلغ إخواننا بما حدث، ثم بادرنى بالقول: وهل تعتقد أن أصحابك جادون فعلاً فى تسليم السلطة؟ وكان يقصد بذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
فقلت له: ألم تسمع المشير أكثر من مرة؟ أعتقد أنهم جادون تماماً، وأنا على ثقة من ذلك.
قال: ولكن ما معنى الأزمات التى يفتعلونها مع جماعة الإخوان بين الحين والآخر؟
قلت له: يا دكتور، المجلس العسكرى ليس هو الذى يفتعل الأزمات، ولكن لديكم عناصر فى الجماعة تتعمّد الاستفزاز، ومن بينها حكاية تدخّل المجلس العسكرى فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.. المجلس العسكرى ليس صاحب مصلحة فى نجاح هذا الشخص أو ذاك، لقد قالوها أكثر من مرة، إنهم على مسافة واحدة من الجميع.
قال: ولكن مجريات الأحداث يمكن أن تغير الأوضاع وتغير موقفهم.
قلت له: أريد أن أحكى لك حكاية يا د. مرسى، لتعرف أنه ليس هناك تربّص بكم، أثناء انتخابات مجلس الشورى، كنت فى اليوم التالى ألتقى بالفريق سامى عنان فى مكتبه، وسألته فى هذا الوقت عن توقعاته بمن سيفوز فى الانتخابات، وقال لى دون تفكير: «الحرية والعدالة» طبعاً، ليست هناك قوى أخرى يمكن أن تنافسهم فى الوقت الحالى.. وأكمل حديثه معى بالقول: «لقد سألتنى ابنتى أثناء ذهابها للإدلاء بصوتها عن الحزب الذى يمكن أن تعطيه صوتها، فقلت لها على الفور.. (الحرية والعدالة) طبعاً».
اندهش د. محمد مرسى ونظر إلىّ غير مصدق وقال: معقولة هذا الكلام؟!
قلت له: هذه الحقيقة لا أحد لديه موقف مسبق منكم.