فى دراسة لقياس العظمة عند رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الثمانية والثلاثين من واشنطن حتى كارتر، اشتمل جزء منها على معايير موضوعية من سلطة الرئيس التشريعية والتنفيذية، مثل استخدام حق الاعتراض (الفيتو) والمفاوضات لعقد المعاهدات، ونوعية التعيينات التى يقوم بها فى مجلس الوزراء، ثم اشتمل الجزء الآخر منها على السيرة الذاتية للرئيس فيما قبل الرئاسة، والخلفيات الأسرية والتعليم، والعديد من الخصائص الشخصية مثل العمر والمهنة والخبرة السياسية السابقة.
وقد ظهر من هذه الدراسة أن الرؤساء الذين وصلوا إلى منصب الرئاسة من مواقعهم كنواب للرئيس عقب وفاة الرؤساء السابقين أو استقالتهم، ثبت أنهم أقل نجاحاً من الرؤساء المنتخبين مباشرة من الشعب! وكان أوضح ما يدل على عدم نجاحهم هو رفض حزبهم ترشيحهم لانتخابات الرئاسة فيما بعد، فمن بين نواب الرئيس التسعة الذين صاروا رؤساء بشكل غير متوقع وهم تايلر، وفيلمور، وأندروجونسون وآرثر وتيودور روزفلت وكولج وترومان، ولندن جونسون وفورد لم ينتخب إلا أربعة فقط. وبالمقارنة بذلـك فإن 8 فقط من 30 رئيساً تم انتخابهم بشكل طبيعى، هزموا خلال عملية إعادة الترشيح أو إعادة الانتخاب، أى إن احتمالات هزيمة الرؤساء غير المنتخبين أثناء إعادة انتخابهم تزيد بمقدار الضعف تقريباً.
وكانت هناك دلائل أخرى تبين أن هؤلاء غير المنتخبين مباشرة أقل نجاحاً مثل رفض مرشحيهم للوزارة أو للمحكمة العليا أكثر من قبل مجلس الشيوخ، وأن يرد استخدامهم للفيتو أكثر من قبل الكونجرس، ثم زيادة الاستقالات فى مجلس الوزراء خلال حكمهم.
لماذا يكون أداء هؤلاء الرؤساء أسوأ من أقرانهم الذين جاءوا إلى الرئاسة عن طريق الانتخاب؟
يجيب دين كيث، عالم النفس السياسى، عن ذلك فيقول إن الرئيس الذى نجح فى الوصول إلى منصب الرئاسة دون انتخاب لا يعد قائداً شرعياً، وهذا الرئيس غير المتوقع يواجه بأعضاء الكونجرس المشكل من نواب وشيوخ الذين يواجهون هؤلاء الرؤساء كونهم منتخبين خلفهم ناخبون. وهذا الفرق الواضح فى الشرعية يعوق عمل الرئيس، ويذكر أن حسنى مبارك حين عين رفعت المحجوب رئيساً لمجلس الشعب احتج النواب الجدد أنهم منتخبون: كيف يرأسنا معين؟ فرد مبارك مستنكراً: أنتم كلكم معينون فسكتوا، يقصد أنه اختارهم أيضاً وزوّر انتخاباتهم.
وقد اعتبر مارانل وسايمنتن أن الرئيس الأمريكى العظيم هو الذى يحصل على أعلى درجات فى إنجازات إدارته، والمكانة العامة، وقوة الفعل، والنشاط الرئاسى، وهذا مقياس يمزج الإجماع الأكاديمى والشعبى معاً، وكان أسوأ الرؤساء هم الذين منيت حكوماتهم بفضائح كبيرة أو الذين خاضوا حروباً لم يحسموها.
ربما حصل بعض الرؤساء على تقديرات شعبية أعلى مثل كيندى فيما سمى (سحر كنيدى)، ولكن هذا التأثير تناقص عبر الزمن لأسباب عملية، ليس فى التقييم الكاريزما أو التنبؤ دون إنجازات عملية. وهكذا فإن التقديرات الأكاديمية والشعبية التى تُمنح للرئيس الأمريكى تعتمد فى الأصل على الانتخاب الذى يعطى قبولاً وتعاوناً.
ورغم ما يواجهه هؤلاء الرؤساء من تحديات تليق بدولة عظمى ورائدة مثل أمريكا فإن ما يخلق عظمتهم فى حقيقة الأمر هو الواقع والأحداث التى تكشف عن قدراتهم.
وقد قال لنكولن فى إحدى خطبه «لا أستطيع أن أدعى أننى تحكمت فى الأحداث، ولكننى أعترف ببساطة أن الأحداث هى التى تحكمت فىّ». لا يمكن إنكار أن القائد العظيم هو الذى ساهم فى صياغة الأحداث والواقع فى عصره بما يحقق إرادة شعبه وطموحه، هو الذى يمسك بتلابيب الأحداث والواقع ولجامهما لكى لا تسير كما تهوى، بل بما يحقق طموحات شعبه فى العدل والحرية والأمان، وهو ما انطبق على الرؤساء الأمريكان الذين حصلوا على أعلى تقديرات فى مقياس العظمة الأكاديمية والشعبية.