م الآخر| كسر الحياة
عزيزي الدوق، راعي حمى الأخلاق في الوطن العربي، وكبير سادة المدافعين عن القيم في مصر، أكتب لك بعد أن صرع قلبي مقطع فيديو فاجر لفتاة مصرية ترقص بصحبة جيرانها أو زملائها أو أصحابها في إحدى الحارات الفقيرة.
بالطبع ستسألني ما أدراك بفقرهم؟
تعلم أن هؤلاء المبتهجين هم في الأصل مجموعة من البشر الذين يمثلون ما يمكن أن نطلق عليه كسر الحياة، لم ينجح واحد منهم في زيادة متوسط دخله، ولم يستطع أحدهم أن يحقق أي مغانم تمكنه من الخروج من هذه البيئة الحقيرة، إنهم فئة ضالة تأكل القليل، وتنام بالعافية، ويستطيعون العيش بين أكوام القمامة، ويخلع قلوبهم الحب، ورغم شظف العيش، وقلة الحيلة، والهوان البادي على ملامحهم لكنهم يستطيعون أن يضحكوا بل ويتجرأون على الرقص.
ياللهول لقد انهارت القيم وسيقت الأخلاق إلى القاع.
هذه الفتاة لم تتردد في إخراج المكبوت داخلها من ألم وقلق وإرهاق وفقر وحزن والغريب أن من حولها من ستات وبنات كن يشجعنها ويصفقن لها كأنهن في حفل جماعي مبهج للتنفس ولو لوقت قليل، يعرفون أنه بعد هذه الهيصة سيعدن إلى نفس عذابات كل يوم، ونفس التساؤلات الخانقة عن العدل، والأمل، والحب، والحرية، وكذلك الحقيقة المفزعة أنهن سيدخلن النار رغم كل هذا التعب.
سيدي.. لقد نجحنا عامًا وراء عام في القضاء على هذه الطبقات الدنيا، لم نعد نراهم في الشوارع بعد أن صنعنا شوارعنا الخاصة وأغلقناها علينا، وتمكنا من غلق منافذ الإعلام عليهم فأصبحت صورنا وحكاياتنا وأفكارنا وسهراتنا هي ما يتحدث عنه الإعلام باعتباره مصر، بينما هؤلاء "اللاشيء" أصبحوا يمثلون الهامش غير المريح في الحياة، هم أولئك الذين يصنعون الزحام في الشوارع ويحترفون البلطجة ويطالبون بالعدل ويتمنون الاحترام وأحيانا يريدون فقط أن يعيشوا و"أخرة المتمة"، يرقصون في حواريهم بكل هذه البهجة.
لقد فضحتنا هذه الفتاة وسط المجتمع الدولي لقد تعدت حدودها، وفوجئنا أن ما شاهدناه ليس حالة فردية لكنه ظاهرة قديمة في هذه الحواري في تحد واضح للأخلاق والقيم التي تدافعون عنها.
عزيزي الدوق راعي حمى الأخلاق في الوطن العربي، وكبير سادة المدافعين عن القيم في مصر، اقترح إصدار قرار بمنع البهجة في الحواري مثلما منعنا العدل والاحترام والأمل.