قناة السويس.. مجرى دماء الأجداد وأمل الأبناء
كيف حفر المصريون قناة السويس؟
صورة من القناة
أجساد منحنية تحت درجات حرارة الشمس الحامية، ورؤوس لم يجف عرقها من شدة العمل وأيادٍ عارية تحفر الأرض، ظروف سيئة أجبرتهم على العمل طوال 18 ساعة يوميًا دون مأوى أو مأكل أو ملبس، يحفرون متبعين طريق الفراعنة، الطريق نفسه الذي حفره أجدادهم وبالمعدات ذاتها "الرفوش والسنان والأيدي".
"السخرة" و"العبودية"، سلاحا الفرنسي فرديناند ديليسبس لإنجاز حفر قناة السويس، غير عابئ بما يعانيه هؤلاء العمال المصريون، وما يدفعوه من دمائهم، التي روت الأرض قبل أن تمر بها المياه، خاصة أن بدايات حفر القناة كانت عن طريق استخدام القفف والمعاول، قبل استخدام آلات الحفر، وكانت هناك أماكن لتجمع العمال، حيث يربطون بالحبال في أيديهم، في صورة تعيد إلى الأذهان قوافل العبيد الأفارقة، الذين ينقلون إلى شواطئ غرب إفريقيا تمهيدًا لنقلهم إلى العالم الجديد.
وسخَّرت الحكومة في ذلك الوقت جنود الجيش في حفر القناة، وثار الجند وأعلنوا العصيان، ووقعت حوادث دموية بينهم وبين الفرنسيين من رؤساء ساحات الحفر، ولم تتوقف عمليات الحفر خلال رمضان، فكان العمال ينامون نهارًا ويحفرون القناة ليلًا على أضواء المشاعل.
كانت مناطق الحفر فيما بين السـويس والفرما "بورسعيد" آنذاك صحراء جرداء، فكان العمال يعولون في الشرب على آبار يحفرونها بأيديهم ويستخرجون منها الماء بالدلاء، وكان عليهم أن يزرعوا قطعًا من الأرض بشيء يتغذون عليه، وكان في الغالب الفجل أو الكرات الأخضر.
ولذا مات آلاف المصريين عطشًا في ساحات الحفر، وفشلت الشركة في توفير مياه الشرب خلال السنوات الأربع الأولى؛ لأنها بدأت في حفر قناة السويس قبل أن يشرع في حفر ترعة الماء العذب كما كان مقررًا، حيث بدأ توصيل مياه النيل إلى مـنـطقـة البرزخ الـوسطى في أوائل 1862.
الموت كان السبيل الوحيد أمام العمال للراحة من آلام العبودية ومشقة العمل، وإذا كانت التضحية البشرية التي قدمتها مصر للمشروع لا تُقدر بثمن فإن الأموال التي خسرها الاقتصاد المصري طوال تلك السنوات كانت بالملايين.
وإضافةً إلى اضطـرار مصر إلى بيع حصتها في الأسـهم لإنجلترا ونجاح المؤامرة البريطانية مع الاسـتعماري اليهودي "روتشـيلد" في الحصـول عـلى الأسهم بأربعة ملايين من الإسترليني، وكتب إلى الملكة، قائلًا: "الآن أصـبح كل ما كان للخديوي لجلالتك".
تمر السنوات وتنجح مصر في حفر قناة السويس، التي كانت مصدرًا لأحزان المصريين، فلم يستطع الكثيرون نسيان فكرة موت أبنائهم داخل هذا المجرى المائي، لتتحول إلى أحد أهم مصادر الدخل القومي، منذ أن تم تأميمها على يد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وإعادة فتحها على يد رجل الحرب والسلام الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
مرحلة جديدة تدخلها مصر وقناة السويس مع انتخاب عبدالفتاح السيسي رئيسًا للبلاد، معلنًا عن عدة مشروعات يرغب في تنفيذها خلال فترة ولايته الأولى، كان من بينها حفر قناة جديدة غرب قناة السويس القديمة.
فرص عمل للآلاف، وأمل جديد للدخل القومي تم إنجازه في عام واحد، ليصبح حديثًا للعالم كافة، ومحط نظر يكشف قدرات وإصرار العامل المصري.