على الهواء مباشرة وأمام عيون العالم, كلاهما بالزي العسكري على المتن التاريخي للمحروسة وهي تبحر في المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس وبينهما علم مصر, صورة بليغة تلك التي جمعت الرئيس عبدالفتاح السيسي بالطفل عمر صلاح الذي يقاوم السرطان, هذه الصورة لم تكن فقط إنسانية ومبهجة ولكنها بالغة الدلالات والمعاني, السيسي الذي اعتاد منذ ظهوره الأول بث رسائل تُقرأ من اليمين لليسار ومن اليسار لليمين, في ظني أنه بهذه الصورة "البسيطة العميقة" وجه ثلاث رسائل مُشفرة.
الرسالة الأولى .. لا يمكن فصل قناة السويس عن أية توترات بالشرق الأوسط, لذا كان ظهور الرئيس فوق سطحها بالبدلة العسكرية - في مثل هذا الظرف التاريخي - رسالة تذكير لكل من تسول له نفسه المساس بالقناة, بأن عليه عمل ألف حساب لهذا الشعب الواقف على ضفتيها بزي عسكري, وسواء أكانت قناة قديمة أو جديدة أو تفريعة أو حتى "طشت أم وجدي غنيم" فحينما يتعلق الأمر بالمجرى الملاحي لها فكلنا - بدءا من الرئيس المصري وصولا لهذا الطفل المصري - سنحارب, هذه الرسالة البصرية كانت بتوقيع القائد الأعلى للجيش الوحيد الباقي في المنطقة.
الرسالة الثانية .. منذ 30 يونيو قُدر لهذا الشعب بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن قوى العالم المتحضر أن يحارب إرهاب أطياف اليمين المتطرف - بدءا من الإخوان في الوادي والدلتا وصولا للدواعش في شمالي سيناء - هؤلاء الذين لو تمكنوا من مصر لبيعت بنات الكوكب في أسواق الجواري ولما نام إنسان بالعالم آمنا في فراشه, وفي الوقت الذي لم يعد لبغداد أو دمشق أو طرابلس أو صنعاء وجود سوى على طاولات "بنك الحظ", كانت القاهرة بستر من الله تحتفي بمشروع عملاق, ولو ارتدينا جميعا في أوقات البهجة زيا عسكريا فهذا ليس لأن مصر يحكمها انقلاب "كما تزعمون" بل لأننا نحارب ونبني وطنا تحت القصف.
الرسالة الثالثة .. أغمض عينيك وتذكر الماضي, تماما قبل عامين من الأن في وقت المحنة, كان عبدالفتاح السيسي بوجه حامل للهم يقف بـ "الكاب" والنظارة السوداء يطلب من المصريين تفويضا ليحارب الإرهاب وفي خلفيته أعلام الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة, ثم فتح عينيك وعد للحاضر ستجد نفس الشخص بنفس الكاب وذات النظارة ولكن على متن المحروسة بملامح مبتهجة وفي يده طفل مصري يحمل علما وبالخلفية مياه زرقاء تتدفق في مجرى جديد, هذا أكسجين مفعم بالأمل في رئات شعب يتوق للفرح, ورسالة عاجلة على وجه الألم للإخوان وأذنابهم في المنطقة بأن عقارب الساعة قد تتعثر لكنها أبدا لن تعود للوراء.
في النهاية, ستبقى هذه الصورة برسائلها المشفرة من كلاسيكيات حقبة الرئيس عبدالفتاح السيسي, هذا الرئيس الذي نتفق بقوة مع بعض سياساته ونختلف بقسوة مع بعضها الأخر على ذات الأرضية الوطنية, يُحسب له أن قطع على نفسه قبل عام من الأن وعدا مستحيلا وحققه تحت سماء وطن يحارب, يوم الافتتاح سيظل كما قال هو خطوة من ألف خطوة, ليتبقى 999 خطوة أخرى "سنمشيها معا" في مسارات العدل والأمن والتنمية وتطهير المؤسسات والديمقراطية وحقوق الإنسان, لنتعارك ونصفو ثم نفرح داخل مصارين البطن المصرية الواحدة.