مفتي الجمهورية: الفتوى صنعة تحتاج أن يكون صاحبها "عالم" بالشرع
مفتي الجمهورية: الفتوى صنعة.. تحتاج أن يكون صاحبها "عالم" بالشرع
الدكتور شوقي علام - مفتي الجمهورية
انطلقت فعاليات المؤتمر العالمي لدار الإفتاء المصرية، الذي يُعقد بمشاركة وفود من كبار المفتين من 50 دولة، ويستمر لمدة يومين تحت عنوان "الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل"، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وقال الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، خلال كلمته في المؤتمر: "نأمل في أن يكونَ المؤتمر بدايةً موفَّقةً في إعادةِ المرجعيةِ الوسطيةِ للفتوى، آملينَ من خلاله تحقيقَ التعاونِ مع الجهاتِ والهيئاتِ والمؤسساتِ العلميةِ الدوليةِ، التي تعملُ في مجالِ الإفتاءِ لتوحيدِ الرُّؤى والجهودِ في هذا المجال؛ بهدفِ الاجتماعِ على كلمةٍ سواءٍ في أمرِ الفتوى".
وأوضح المفتي، "هناك تحدياتٍ كبيرةٍ يعيشُها المسلمون في مختلفِ بلدانِ العالمِ، في ظلِّ انتشارِ موجاتِ التطرفِ والإرهابِ التي تشوِّهُ ديننَا الحنيفَ، وفي ظل ظهور أناس موتورين ينتزعون الكلامَ النبويَّ من سياقه، ويحمِلونه على المعاني والمحامل التي لا يحتملها اللفظ النبوي وفق قواعد الاستنباط الصحيحة، ويخلعون عليه ما وَقَر في نفوسهم من غِلظةٍ وعُنف وشراسة وانفعال، مع جهل كبير بأدوات الفهم، وآداب الاستنباط، ومقاصد الشرع الشريف وقواعده".
وأضاف المفتي، "نواجِه الأميَّةَ الدينيةَ من جهةٍ، ونواجهُ فتاوى أشباهِ العلماءِ من جهةٍ ثانية، ونواجه تشويهَ الدينِ الإسلاميِّ بيدِ مَن ينتسبونَ إليه من جهةٍ أخرى، ونحن أيضًا في لحظةٍ يحاولُ فيها بعضُ الأقزامِ أن يُهدِّدُوا سلامَ الأوطانِ، ويطمَحُ فيها أعوانُ الشيطانِ أن يؤجِّجُوا نيرانَ الفتنةِ بين أبناءِ البلدِ الواحدِ، معتمدينَ في ذلك على الشائعاتِ والأكاذيبِ والأراجيفِ تارةً، وعلى فهمهم السقيم للدين تارةً أخرى".
وأشار المفتي، إلى أن دور الفتوى مهم في الإصلاحِ والحفاظِ على الأمنِ المجتمعي، ومواجهةِ التطرفِ، وإرشادِ الناسِ إلى قيمِ الإسلامِ الصحيحةِ ومقاصدِه العليا، التي تتمثلُ في العبادةِ والتزكيةِ والعمرانِ، مضيفا أن الفتوى عملٌ مركَّبٌ يحتاجُ لأدواتٍ وإعدادٍ، وإعمالِ فكرٍ ونظرٍ للوصولِ إلى المطلوبِ، لذَا تواترَ عن العلماءِ قولُهم إنَّ: "الفتوى صنعةٌ"، أي أنها عمليةٌ دقيقةٌ تحتاجُ من القائمِ بها أن يكونَ عالمًا بالشرعِ الشريفِ، بإدراكِ المصادرِ، وفهمِها، ومدركًا للواقعِ بعوالِمِه الخمسةِ وما بينها من علاقاتٍ بينيَّةٍ.
وأكد المفتي، أن المؤتمر يرسِّخ مبادِئَ الوسطيةِ في الفتوى، من نحو: النظرُ في المآلاتِ، وقصدُ تحقيقِ المصالحِ ودرء المفاسد، وتمييزُ الثابتِ من المتغيرِ، ومراعاةُ الضرورةِ والحاجةِ وعمومِ البلوى، ورفعُ الحرجِ ودفعُ المشقةِ، وإعمالُ الرُّخَصِ في محالِّها، والتعرفُ على مواطنِ الأخذِ بالعزائمِ، وتفعيلُ المقاصدِ، وليبين أنه ليس كل مسألةٍ ألصقَها الأغرارُ بالشريعةِ بحسبِ فهمهِمُ الكاسدِ العليلِ، بل إنه كما قيل: "إنَّ كلَّ مسألةٍ خرجت عن العدلِ إلى الجَورِ، وعن الرحمةِ إلى ضدِّها، وعن المصلحةِ إلى المفسدةِ، وعن الحكمةِ إلى العبثِ، فليست من الشريعةِ، وإن أُدخِلتَ فيها بالتأويل".
وأضاف المفتي، "المؤتمر يؤكد أن التراثَ الفقهيَّ القديمَ، كنزٌ ثريٌّ، ومَعِينٌ عذبٌ للدارسِ والفقيهِ والمفتي والقاضِي، لكنه مع ذلك ليسَ معصومًا، ولا منزَّهًا عن الغلطِ، ولا هو فوقَ النقدِ والتصويبِ بشرطِه، كما أن بعضَ جُمَلِه تأثَّرتْ بواقِعها وزمانِها، فالمتعينُ هو ألا نقفَ عندَ وقائعِه ومسائلِه الزمنيةِ، بل نتجاوزُ ذلك إلى المناهج، فنُفَعِّلها ونستعملُها في النوازلِ والمستجداتِ بما يناسِبُ حاضرَنَا وواقعَنَا".
وأشار المفتي، إلى محاور المؤتمر الرئيسية التي تنظم وتلبي المطلوب في الوقت الحالي وفي المستقبل تجاه الفتوى، موضحًا أن المحور الأول، يتحدث عن الإفتاء وأثره في استقرار المجتمعات، بينما يتركز المحور الثاني، عن الفتاوى ومواجهة التطرف والتكفير والتعصب المذهبي، ويتحدث المحور الثالث، عن الوسطية في الإفتاء والتجديد في علوم الفتوى، بينما يتطرق المحور الرابع، للحديث عن الإفتاء والتنمية.
وأوضح علام، أن هذه المحاور ستكونُ محلَّ دراسةِ ونقاشِ من المفتين والعلماءِ والباحثين المشاركين في المؤتمر.