"لغز المشير": المعلومات أكدت فوز شفيق بـ50.7٪ لكن أعلن فوز مرسي بـ51.7
"لغز المشير": المعلومات أكدت فوز شفيق بـ50.7٪ لكن أعلن فوز مرسي بـ51.76٪
طنطاوي
يواصل الكاتب مصطفى بكرى فى كتابه «لغز المشير»، الحلقة الحادية عشرة، كشف كثير من الحقائق عن فترة ما بعد ثورة يناير، وملابسات ترشُّح الرئيس المعزول محمد مرسى، ووقائع الساعات الأخيرة قبل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة 2012، التى كانت تمثل نقطة محورية فى تاريخ مصر الحديث، وكيف أن المعلومات الواردة كانت تؤكد فوز الفريق أحمد شفيق، لكن الإخوان وضعوا خطة التخريب ونشر الفوضى، وانتهجوا سياسة الأمر الواقع.وفى وقت مبكر من فجر يوم الأحد 24 يونيو تم الاتفاق على إعلان نتيجة الانتخابات فى الثالثة من عصر اليوم ذاته، وفى صباح اليوم ذاته، بدأ المستشار حاتم بجاتو فى الاستعانة بأحد موظفى الكمبيوتر الذى كان يعمل معه منذ فترة طويلة، لإملاء النتيجة، ثم قام بكتابتها بنفسه بعد ذلك.وفى هذا اليوم أعلن المجلس العسكرى حالة الاستنفار العام، فدعا موظفى البنوك وبعض الجهات الأخرى إلى الانصراف فى الحادية عشرة صباحاً، كما تم نقل كميات هائلة من أموال البنوك إلى البنك المركزى، وفرض إجراءات مشدّدة على المنشآت العامة والخاصة، وكانت هذه الإجراءات تشير إلى احتمال فوز الفريق أحمد شفيق فى انتخابات الرئاسة. وكانت المعلومات التى وصلتنى شخصياً تؤكد ذلك، فاتصلت بالفريق أحمد شفيق فى هذا الوقت، وأبلغته بالنتيجة بالأرقام التفصيلية، فقال لى إنه يجلس معه فى نفس الوقت أحد الأصدقاء الموثوق بهم، وأبلغه الأرقام نفسها حرفياً، والتى تؤكد فوزه بنسبة 50.7٪، وهو نفس ما أذاعته قناة «سى إن إن»، نقلاً عن الموقع الإلكترونى لـ«الأهرام» بالإنجليزية.بعد قليل حدّثنى د. السيد البدوى، رئيس حزب الوفد، وأكد لى أن المعلومات التى لديه تؤكد فوز محمد مرسى، وليس أحمد شفيق، فأبديت دهشتى من هذا الكلام، لكن البيان الذى تلاه المستشار فاروق سلطان فى الرابعة إلا الربع، أكد فوز «مرسى» بنسبة تبلغ 51.76٪. فى هذا الوقت حاولت التواصل مع عدد من أعضاء المجلس العسكرى، إلا أنهم جميعاً أكدوا أن أحداً فيهم لم يكن يعرف بنتيجة الانتخابات، بل إن بعضهم مثل اللواء ممدوح عبدالحق عضو المجلس، وآخرين، أكدوا لى أن المشير طنطاوى لا يعرف شيئاً عن النتيجة.بعد إعلان فوز محمد مرسى عمّت الصدمة أنحاء البلاد، لم يكن أحد يتوقّع أن تمضى الأمور على هذا النحو، خرجت بعض المظاهرات المحدودة التى تستنكر نتيجة الانتخابات، رافعة صور الفريق أحمد شفيق، لكن كل شىء كان قد حُسم وانتهى.فى اليوم التالى، 25 يونيو 2012، التقى المشير طنطاوى بقادة وضباط وجنود المنطقة العسكرية المركزية بوسط القاهرة، أدرك المشير حالة القلق التى تعتريهم جميعاً، وخوفهم على هوية الدولة ومؤسساتها فى ظل حكم رئيس إخوانى للمرة الأولى فى تاريخ مصر، وبعد أن استمع المشير إلى هذه المخاوف على ألسنة الحاضرين، خاصة شباب الضباط، قال لهم: لا تقلقوا كثيراً، إن الذين تطاولوا عليكم وطالبوكم بالعودة إلى ثكناتكم حتى قُبيل انتهاء المرحلة الانتقالية سوف يأتون إليكم خلال عدة أشهر فقط، ليطالبوكم بإنقاذهم إذا لم تلتزم جماعة الإخوان بالحفاظ على الدولة ومصالح الجماهير، أما إذا التزمت فسوف يقف الشعب ومؤسسات الدولة بكل ما يملك مع الرئيس الذى جرى انتخابه، بغض النظر عن الموقف منه. واستكمل حديثة بالقول: «ثقوا أن جيشكم سيحافظ على الدولة وعلى هويتها، ولن يسمح بالهيمنة عليها لصالح فئة بعينها». كانت كلمات المشير حاسمة، هدّأت من مشاعر الحاضرين الذين أدركوا أن الكلمة باتت فى ملعب محمد مرسى وجماعته، وأن الجيش لن يفرّط فى الثوابت الوطنية ومصالح البلاد تحت أى حال من الأحوال.وفى مساء اليوم ذاته، أذاعت بعض الفضائيات بياناً مسجلاً من الفريق شفيق إلى الرأى العام المصرى، يعلن فيه قبوله نتيجة الانتخابات ويقدّم التهنئة إلى الرئيس محمد مرسى.وكان الفريق شفيق قد التقى فى اليوم نفسه بالمشير طنطاوى وأبلغه أنه سيُغادر البلاد لأداء العمرة، وأنه سيعود إلى البلاد عندما تتحسّن الظروف، وبالفعل غادر «شفيق» وأسرته القاهرة فى وقت مبكر من صباح اليوم التالى (الثلاثاء) إلى أبوظبى، ومنها إلى السعودية بعد ذلك لأداء العمرة. كان «شفيق» يعرف أن الإخوان سوف يتربّصون به من خلال البلاغات الكيدية، لذلك تلقى نصيحة بمغادرة البلاد من بعض المقربين، حتى يكون بمأمن من غدرهم وتآمرهم عليه.وفى يوم الاثنين ذاته، التقى محمد مرسى بالمشير طنطاوى وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمبنى وزارة الدفاع، وفى هذا اللقاء وجّه «مرسى» الشكر إلى المشير والمجلس العسكرى على وفائهم بالوعد وإخلاصهم فى العهد الذى قطعوه على أنفسهم، وفى نهاية اللقاء، قال إنه سيتوجه إلى القصر الجمهورى للزيارة.توجّه «مرسى» على الفور إلى مبنى القصر الجمهورى فى الاتحادية، وبرفقته عصام الحداد وخالد القزاز وآخرون، ثم مضى إلى مكتب الرئيس على الفور، وطالب بتغييره، خاصة أن «مبارك» كان يجلس على هذا المكتب طوال فترة حكمه.فى صباح اليوم التالى، كان «مرسى» يتوجه إلى القصر الرئاسى مرة أخرى، ويلتقى الموظفين ويحذّرهم من خطورة التقاعس أو التواطؤ لصالح النظام القديم، يومها قال لهم: «أنا مواعيدى من 7 صباحاً إلى 12 مساءً».فى الحادية عشرة من صباح الأربعاء 27 يونيو، كان موعدى مع الفريق سامى عنان، ثم لحق بنا أحد الأصدقاء، جلسنا معه بدايةً، لأكثر من ساعة ونصف الساعة، كان سؤالنا المشترك: ماذا حدث؟!، وكانت إجابة الفريق سامى إن أحداً لم يكن يعلم نتيجة الانتخابات حتى تم إعلانها، أبديت دهشتى، فقال لى الفريق بكل حسم: «ولا المشير كان يعرف، صدقنى، كنا ننتظر النتيجة مثل أى شخص آخر».بعد حوار مطول غادر صديقى مكتب الفريق عنان، وبقيت أنا، قضيت بعض الوقت مع اللواء ممدوح شاهين، ثم التقيت المشير حسين طنطاوى برفقة الفريق سامى عنان.بادرنى المشير بالسؤال: إيه الأخبار؟!فقلت له: «الأخبار عند سيادتك».قال لى: «أنا أسأل عن رأى الناس».قلت له: «الناس منقسمة فى الشارع، والكثيرون مصدومون، وهناك من يرى أن شيئاً ما قد حدث فى اللحظات الأخيرة».قال المشير: «زى إيه؟!».قلت له: «إنهم يقولون إن المجلس العسكرى قد تدخّل بفعل وجود ضغوط خارجية وأجبر اللجنة العليا للانتخابات على تغيير النتيجة، أى أن سيادتكم سلمتم البلد للإخوان».نظر إلىّ المشير، وقال: «لا أحد فينا كان يعرف بالنتيجة، أنا كنت موجوداً مع أعضاء المجلس نتابع النتيجة، دخلت الحمام، وما إن عدت حتى فوجئت بفوز (مرسى) بمنصب الرئيس».قلت: «لكن الناس لها رأى آخر».قال: «نحن لم نتدخل ولا نستطيع أن نتدخل، لقد قالوا قبل ذلك إننا تدخلنا لدى المحكمة الدستورية لحل مجلس الشعب، وأنت نفسك تعرف أن هذا الكلام غير صحيح، والآن جاء البعض يردد نفس الكلام، ونحن لا مصلحة لنا فى نجاح هذا أو ذاك، لقد تركنا اللجنة العليا تمارس حريتها واحترمنا قرارها وإرادة الشعب، الشعب هو الذى جاء بالإخوان، خاصة أن هناك كثيرين سافروا إلى الساحل الشمالى، والشعب الذى جاء بالإخوان هو صاحب القرار، انتظر فترة من الوقت إذا مشيوا كويس مع الشعب هيدعمهم ويقف معهم، أما غير ذلك، فبعد عدة شهور هتشوف هيعمل معاهم إيه»، ثم ابتسم وقال لى: «لا تقلق كثيراً، الإخوان دلوقتى أصبحوا فى يد الشعب، والشعب المصرى ده شعب عظيم، ماتخافش، ماتخافش».تركت المشير ومضيت إلى خارج مبنى وزارة الدفاع، متجهاً إلى مكتبى، حدّثنى أحد أعضاء المجلس العسكرى يسألنى عن لقائى مع المشير، قلت له: «مش عارف، معقولة المشير لم يكن لديه علم بالنتيجة»، فقال لى بحسم: «والله ولا واحد فينا كان يعرف حاجة».