مجددا، تفرض الأحداث الجارية خروجا عن سياق مناقشة مسودة الدستور وتفنيد نواقصها الخطيرة وعصفها بالحريات والحقوق وتأسيسها لاستمرار الاستبداد الرئاسى فى مصر. مجددا، تفرض جريمة قتل جماعى متكاملة الأركان، وليست حادثة، الابتعاد عن شرح ضرورة إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية كسبيل وحيد لوضع دستور يليق بمصر وشعبها. فجريمة قتل الأطفال فى أسيوط، بكل ما تتضمنه من قيمة مهدرة للإنسان وإهمال كارثى وعجز حكومى، صنعت حالة مجتمعية حزينة لا يمكن تجاهلها.
حالة من الحزن على أطفال فقدوا أغلى ما لهم، الحق فى الحياة، فى جريمة مسبباتها الإهمال البشرى والبنية المنهارة لمرفق النقل. حالة من الحزن على أسر فقدت أغلى ما لها: أطفالها، وخرجت عليهم الدولة بوعد بتعويض يمتهن كرامتهم. حالة من الحزن على حكومة عاجزة تركت مرفق النقل المنهار بدون إصلاح وتطوير حقيقيين على الرغم من تكرر جرائم قتل المصريات والمصريين على الطرق وفى السكك الحديدية طوال أشهر الحكومة الأربعة.
وحالة من فقدان الثقة فى أن تدرك هذه الحكومة، التى خرجت بعض الأصوات القريبة منها ترفض استقالة وزير النقل كى لا يطاح به ككبش فداء، معنى المسئولية السياسية والتنفيذية. فالأولى تلزم الوزير المعنى بالاستقالة دون تردد، والثانية تلزم رئيس الوزراء بوضع خطة فورية لمنع تكرر جرائم القتل فى مرفق النقل والتعهد بذلك أمام الرأى العام.
حالة من الحزن بسبب رئيس للجمهورية لم يذهب بنفسه لمواساة أسر الضحايا، ولم يلزم رئيس الوزراء بوضع خطة إصلاح وتطوير مرفق النقل أمامه خلال فترة زمنية محددة، ولم يجتهد مع مساعديه فى الوصول لمستوى مقبول من التعويض المالى لأسر الضحايا. أحزن ويحزن أيضاً الاقتضاب الذى تحدث به الرئيس عن جريمة أسيوط، وقد كان واجبه هو توجيه كلمة واضحة تواسى أسر الضحايا قبل زيارتهم (التى لم تتم)، وتحمل المسئولية السياسية والتنفيذية على الأطراف المعنية وتحاسبها، وتلزم الحكومة بالعمل وفورا.
ما زالت مصر تعانى من إهدار لقيمة الإنسان وعجز للحكومة وغياب لرؤية واضحة للموظف العام الأول فى الدولة، الرئيس المنتخب. والنتيجة، خلال الأشهر الأربعة الماضية، هى مجتمع مأزوم على حافة الهاوية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا (ودستوريا) وإدارة حد أدنى من الرئيس وحكومته جل أمانيها ألا تتفاقم الأزمات. وليس هذا بكافٍ بعد ثورة أو فى وضع أزمة، بل ليس كافيا للرئيس المنتخب إن أراد أن يكمل فترته.