عُقد منذ أيام مؤتمر تحت عنوان مُلح (نحو إعلام ديمقراطى حر) أقامته المؤسسة المصرية للتدريب وحقوق الإنسان.
وكان من أهم موضوعاته آلية حماية حقوق الجمهور المتلقى. أثار المؤتمر كثيراً من الأفكار والإشكاليات المهمة، منها سؤال هل الجمهور متلقٍ، أم أنه صار صانعاً أيضاً للإعلام، وأى جمهور نقصد؟ وانتقد نقيب الصحفيين التشريعات الحالية حول الإعلام، وطالب بأخرى تواكب التطور العالمى وتناسب شعباً قام بثورتين.
إن أزمة الإعلام تعود فى جانبها الفنى لعدم التزام المنهج العلمى فى العمل الإعلامى. المنهج العلمى الصحيح هو ما يطور وينمى الإعلام، وما يحفظ حق الجمهور وحق الأكفاء ممن يقدمون الخدمة، ويقلص الببغاوات الذين يتم اختيارهم لتوجيه رسالة إعلانية لا إعلامية للجمهور.
إن ما يحرف الإعلام عن وظيفته ودوره كوسيلة للمعرفة وتبيان الحقيقة هم أصحاب المصلحة الذين يتجاهلون قيم الدقة والعرض الأمين والنزاهة والتعددية ويتماهى معهم بعض (المُشخصين) المنتفعين الذين ينتهى أمر وسائلهم الإعلامية إلى انصراف الناس عنهم وقلة إعلاناتهم وبالتالى دخولهم. رواج هؤلاء مؤقت وسرعان ما سيفتضح لفقدانه المعايير السابقة، ولاحظنا أنهم لا يزدهرون فى مناخ حر متعدد، ولذلك فإن افتقاد المعايير العلمية الصحيحة هو ما يضر بالمؤسسة نفسها وبالإعلاميين الحقيقيين وبحق الجمهور فى تلقى خدمة جيدة يشارك فيها ويستفيد منها.
من الضرورى أن يتشكل تكتل إعلامى قوى يحمى المهنة ومنهج عملها وأرزاق العاملين ودخولهم من التدخلات التى تضر بها وبالعاملين وبالمؤسسات النزيهة، ولكن المشكلة فى مصر أن أصحاب المؤسسات الإعلامية ليسوا مجموعة مساهمين بل رجال مال وأعمال ولهم مصالح متقاطعة مع هؤلاء الذين يهمهم عدم التزام الإعلام المعايير العلمية ويستفيدون من تنازلاتهم أو حتى من خسائرهم من هذه المؤسسات التى تقدم خدمات جمة للذين يعادون حق الجمهور.
ولذا من المستحيل حل أزمة الإعلام دون حل أزمة ومشكل الحرية عموماً فى مصر.
هذا هو أصل المشكلة ولبها.
الأزمة ليست أخلاقية بالمرة وميثاق الشرف الصحفى الذى يكثرون الحديث عنه لا ضرورة له إلا لهؤلاء الذين يضادون الدقة والنزاهة والتعددية والمعايير العلمية الصائبة ويسعون لوضع قيود للعمل ولجم الآخرين الذين يبورون بضاعتهم.
الجمهور حر، والجمهور واعٍ، ولا حاجة به لا لوصى ولا لموجه، وحقوقه تحفظها سوق إعلامية حرة تفضح الزيف والمغالطات التى تخالف العقل والحقائق والتطور.
الحرية هى ما ستحفظ الإعلام أخلاقياً وأمنياً وعلمياً.
الحرية والعلم قرينا المسئولية، فالطبيب والمهندس والفنان يتحرون العلم فى عملهم، وحقهم فى العمل مقرون بواجبهم ومسئوليتهم تجاه الآخرين، وتتحمل جماعتهم أو نقاباتهم معالجة تجاوزات وأخطاء الأعضاء فيما عدا ما هو جرائم قانونية، وكذا يجب أن يكون حال الإعلاميين.
الإعلام فى ذاته كعلم يحفظ ويحمل ميثاق شرفه ويحمى حق الجمهور فى المعرفة التامة وفى إبداء الآراء المتعددة، وفى إبداء الآراء كاملة، وهذه الحرية يقترن بها حق الإعلامى فى الحصول على المعلومات، وهو أمر من الصعوبة اليوم بمكان، ما يجعل الصحفيين يتصيدون المعلومات من بحار مظلمة، وهذا اجتهاد مشكور لأنه يزيد احتمالات عقوباتهم للأسف.
إعاقة حق الناس فى المعرفة وفى المعلومات وفى التفكير النقدى والتعبير الصريح عن الرأى يؤدى إلى تردى الأوضاع الاقتصادية وانفضاض الجمهور وقلة التوزيع والإعلان للوسائل الإعلامية بل وغلق بعضها وترشيح أخرى للغلق، ثم يفتح المجال واسعاً أمام الوسائل التى يصعب السيطرة عليها مثل مواقع التواصل الاجتماعى. فلماذا يتواطأ البعض ضد نفسه؟