حتى السيرك فيه توريث
حتى السيرك فيه توريث
سمر فتحى لاعبة الطوق الهوائى
داخل كواليس تبديل الملابس و«بروفات» اللاعبين قبل العرض على الجمهور، تجد عدداً من التجمعات التى تتبادل الأحاديث الجانبية، لاعب يأخذ رأى والدته وأخرى تستشير والدها فى التدريبات قبل الظهور على الجمهور، وثالثة تهتف «خالتى هاتيلى البدلة والأفعى»، هكذا لم يغب التوريث الموجود فى كل المهن عن السيرك القومى، لتجد أحياناً عائلات كاملة تعمل تحت مظلة السيرك، بعض أفرادها مؤمّن عليهم لعملهم فى السيرك سنوات طويلة، وبعضهم الآخر من فئة الشباب الذين لم يؤمّن عليهم لكنهم يعملون بروح الجماعة والعائلة.
«محمد» ابن لاعب «الترابيز»: «أنا واخواتى كبرنا لقينا نفسنا شغالين هنا»
«من كتر ما عشنا تفاصيل السيرك واتربينا فيه، عشقنا مهنة والدنا وبقيت مهنتنا إحنا كمان»، قالها محمد أحمد، لاعب الترابيز.. ورث «محمد» المهنة عن أبيه وإخوته، تمثل اللعبة لهم المتعة التى لا يجدونها فى مهن أخرى، ورغم تخرج الشاب الثلاثينى فى كلية التجارة، فإنه لم يطمح فى العمل فى بنك أو شركة، وبين ليلة وضحاها وجد نفسه يعتلى حبال السيرك ليكون واحداً من اللاعبين المتميزين: «أنا وإخواتى الاتنين شغالين مع والدنا فى السيرك من وأنا طالب فى ثانوى ويمكن ده لأننا كبرنا لقينا نفسنا بتوع ترابيز وبنفهم الشغلانة أكتر من غيرنا».
لم يجد الشاب الثلاثينى أزمة فى تداول المهنة بين الأبناء داخل السيرك القومى، مشيراً إلى أنه هو الآخر لا يُمانع فى إلحاق أبنائه بالعمل داخل السيرك إن أرادوا ذلك: «ممكن حد ميقبلش اللعبة ولا ظروفها المادية واحنا عشان ولاد لاعب قديم ومفيش حد فى مصر كلها بيلعب ترابيز غيره قبلنا بيها وبظروفها، لأن السيرك عطاؤه علينا كبير ومش ممكن نسيبه تحت أى ظرف».
«أنا بقى غير كل اللى هنا، كنت باجى مع والدى وأنا طفلة فى اللفة، كبرت هنا وانبهرت بالإبداع فقررت تكون مهنتى، ما هو بنت حامد رماح لازم تورث المهنة عن أبوها البطل»، حسب نهلة رماح، لاعبة الكاوتشوك سابقاً، ومديرة المتابعة للفقرات الفنية داخل السيرك، التى قررت العمل داخل السيرك إلى جوار والدها، بالإضافة إلى التحاق أخيها محمد رماح، مدرب الدولفين، لينضموا إلى العائلات التى تتوارث المهنة: «كان نفسى ولادى يكملوا بس هما مش غاويين يمكن ولاد أخويا يكملوا مسيرة رماح اللى بدأها من أكثر من 60 سنة».
40 عاماً داخل السيرك، لم تجعل السيدة الخمسينية يوماً تشعر بالملل أو التفكير فى تغيير مهنتها أو الاكتفاء بما قدمته، بل جعلتها حريصة على العطاء أكثر وحتى آخر نفس، فهى تصف نفسها بأنها عاشقة السيرك الأولى، التى منعتها اللياقة من استكمال العمل كلاعبة «كاوتشوك»، فقررت ألا تترك السيرك وانتقلت إلى المتابعة الفنية وتقديم فقرات السيرك: «آه، السيرك فيه مشاكل كتير والمستوى الفنى انحدر، وآه نفسى فى أكاديمية ترتقى بفنانى السيرك، بس عمرى ما فكرت أقول كفاية لأن السيرك فى دمى».
سمر فتحى، لاعبة الطوق الهوائى، لا يتجاوز عمرها 19 عاماً، رغم إصابتها بشروخ فى الحوض وإجراء عملية جراحية فى يدها نتيجة سقوطها خلال تقديم أحد العروض بالسيرك، فإنها تحرص على استكمال علاجها سريعاً، حتى تتمكن من العودة إلى حلبة السيرك، فلم تفكر يوماً فى ترك مهنة أجدادها، التى ورثتها هى وأشقاؤها عن والدها وخالتها: «أنا فى تانية ثانوى هخلص دراسة وهكمل فى السيرك، أصله مش شغلانة؛ ده كار عيلة، كبرنا لقينا نفسنا بتوع سيرك».
الشابة العشرينية، أدمنت العمل فى السيرك، ليس هى فقط بل كل اللاعبين لا يستطيعون تركه أو إجبار أبنائهم على العمل فى مهن أخرى: «محدش هيحس عشقنا للسيرك غير اللى اتربى وعاش جواه، حتى اللى بيدربوا الأفاعى والتعابين هنا عيلة واحدة وكمان الأسود».