تصريحات وزير الخارجية سامح شكرى بشأن الحرب الروسية فى سوريا كانت الموقف الأكثر وضوحاً لمصر إزاء هذا الصراع منذ بدايته. على عكس التقييم السلبى لدول الغرب وبعض دول الخليج العربية للتدخل الروسى فى سوريا، كان تقييم وزير الخارجية المصرى للتدخل الروسى إيجابياً، فأثيرت الأسئلة ولزم التوضيح.
الهدف المباشر للروس فى سوريا هو دعم نظام بشار الأسد بعد أن وصلت قوته فى الشهور الأخيرة لحالة غير مسبوقة من الضعف عبر عنها بشار الأسد فى حديث علنى اشتكى فيه من نقص المقاتلين، ووصف إخلاء قوات النظام لبعض مواقعها بأنه نوع من إعادة نشر القوات لحماية مواقع أكثر أهمية. تراجعت قوات النظام للدفاع عن مساحة تشمل الساحل السورى والعاصمة دمشق، وهى نفس المنطقة المرشحة للبقاء تحت سيطرة النظام إذا انتهى الصراع هناك بتقسيم البلاد، وفى هذا تسليم من جانب النظام بالعجز عن استعادة السيطرة على كامل البلاد.
ساندت موسكو نظام الأسد منذ بداية الصراع دون أن تتورط هناك بشكل مباشر، لكن روسيا أجبرت على التخلى عن هذا الحذر بعد أن اقتربت لحظة الحقيقة فى سوريا. الحقيقة فى سوريا مخيفة ومواجهتها تحتاج إلى رباطة جأش والتخلى عن الأوهام. فوحشية نظام الأسد لا يشبهها سوى وحشية خصومه المتشددين. إنه صراع بين قوتين شريرتين لا يقوم أى منهما على أى أساس أخلاقى مقبول، فكل طرف فى هذا الصراع العبثى يبرر وحشيته بوحشية الطرف الآخر، فاتحين الباب لدائرة جهنمية من العنف والعنف المضاد.
بشار الأسد طاغية قاتل، لكن ما يطلقه من شرور محدود بنطاق قدراته القليلة وشرعيته شبه المعدومة. إيران هى الخطر الأكبر من نظام الأسد بعد أن أصبح الأخير جزءاً لا يتجزأ من المخططات الإيرانية الكريهة فى المنطقة، ولكن مصر لا تقع سوى على هامش المخططات الإيرانية التى تركز على مناطق الوجود الشيعى وعلى جيران إيران من دول الخليج العربية. المتطرفون الذين يحاربون ضد نظام بشار الأسد فى سوريا هم جزء من شبكات إرهابية واسعة النطاق لها امتداداتها داخل مصر وعلى حدودها المباشرة من أكثر من ناحية. لهؤلاء مخططات تستهدف مصر منذ اغتالوا الرئيس السادات، ومؤخراً أضيف لمخططاتهم أحقاد ورغبة قوية فى الثأر بعد أن انهزم شركاؤهم المحليون على أرض مصر. سيطرة المتطرفين على سوريا يعنى سقوط مقدرات دولة عربية رئيسية لأول مرة تحت سلطة الإرهاب، ومنها سينطلقون للتوسع فى باقى المنطقة، وسوف تكون مصر هدفاً مباشراً لهم كما كانت فى الماضى وكما هى فى الحاضر.
مخاوف بعض الدول فى الإقليم من الإرهاب أقل بكثير مما هو عليه الحال فى مصر بسبب صلات لهذه الدول بجماعات التطرف، وبسبب الفضائل التى لبعض هذه الدول على جماعات الإرهاب. بعض دول الإقليم استخدمت وتستخدم جماعات التطرف لتحقيق أهداف سياسية. مصر التى لدغت من جحر الإرهاب أكثر من مرة تعلمت من دروس الماضى أن التلاعب بالإرهابيين وتوظيفهم هى لعبة خطرة لا يأتى من ورائها خير.
دعمت قطر -وما زالت تدعم- جماعات الإرهاب والتطرف فى أكثر من بلد بما فيها سوريا. الدعم القطرى لجماعات متطرفة فى ليبيا هو أحد أسباب الصراع الدائر على حدودنا الغربية. الإرهابيون الموجودون على بعض أراضينا يلقون دعماً كبيراً من نظرائهم عبر الحدود الغربية. الأهم من قطر هى تركيا التى لعبت دوراً أساسياً فى دعم داعش. لم يكن لداعش أن تصل إلى ما وصلت إليه من علو لولا الدعم التركى. لم يعد سراً أن الآلاف من المقاتلين الأجانب فى صفوف داعش فى العراق وسوريا وصلوا هناك عبر الأراضى التركية، ولم يعد سراً أن كثيراً من المعدات والمهمات العسكرية فى يد داعش حصلت عليه عبر تسهيلات من الحكومة التركية. تركيا الداعمة لداعش هى نفسها الدولة المحكومة بنظام ذى طموحات إمبراطورية، الذى يريد فرض هيمنته على الإقليم لإحياء المجد العثمانى الغابر، وهى الدولة الوحيدة الباقية فى العالم التى لا تعترف بشرعية النظام السياسى الراهن فى مصر، والتى تحاول إعادة عقارب الساعة إلى زمن كان فيه عملاؤها المحليون وأنصارهم يحكمون مصر ويتحكمون فيها. انتصار حلفاء تركيا من الدواعش وغيرهم فى سوريا يلحق ضرراً بالغاً بأمن مصر، ويعيد صياغة موازين القوى فى الإقليم لغير صالحنا. تركيا تستخدم داعش لاحتواء الأكراد، وتستخدمهم لإسقاط نظام بشار الأسد، وانتصار الإرهاب فى سوريا قد يشجع أنقرة على استخدامهم لتحقيق أهداف أخرى لسنا بعيدين عنها.
تحسب مصر للمخططات التركية لا يعنى تأييدها للمخططات الإيرانية. إيران تنهزم فى سوريا، ولا دليل على ذلك أقوى من الهزائم التى لحقت بالأسد رغم دعم إيران وأداتها المسماة حزب الله، ولولا الفشل الإيرانى لما احتاج الروس للتدخل المباشر إلى جانب نظام الأسد. سوريا المنهكة بسبب الحرب الطويلة وبسبب احتياجاتها الكبيرة لإعادة الإعمار -هذا إذا انتهت الحرب هناك وانتقلنا لمرحلة الإعمار- هى عبء يثقل كاهل الإيرانيين أكثر منها رصيداً يوظفونه فى مخططاتهم الإقليمية، ولا بأس من استمرار النزيف الإيرانى فى سوريا.
تدخل روسيا فى إيران بعد الإخفاق الإيرانى هناك ينقل القرار النهائى بشأن مستقبل سوريا من طهران إلى موسكو. التفاهم مع الروس ممكن، فلمصر ودول الخليج مصالح كثيرة مع الروس. لموسكو أهداف عديدة فى سوريا ليس بينها أهداف طائفية أو مذهبية تتحدى الهويات وتطعن فى العقائد وتنشر الكراهية وتجعل الوصول لحلول وسط أمراً مستحيلاً. الأهداف الروسية فى سوريا هى أهداف استراتيجية يمكن التفاوض حولها بعقلانية، ولهذا فإن التدخل الروسى فى الحرب السورية ليس كله شراً حتى لو كان عنوانه دعم نظام الطاغية بشار.