«غزة» فى أول أيام التهدئة.. تشييع للشهداء والأهالى يقرأون الفاتحة على أرواح شهدائهم فى المقابر
ما إن طلعت شمس صباح أول أيام التهدئة بين قطاع غزة بفصائله المقاومة، والجيش الإسرائيلى، حتى خرج الحاج «أبو خليل» مع كثير من أهالى مخيم جباليا أقصى شمال القطاع، يتفقد طريقه نحو المقابر، يتذكر جاره وصديقه الذى قضى فى الحرب الماضية عام 2008، ليقرأ له الفاتحة ويتمنى له الرحمة.
«نزار الريان» هو ذلك الصديق، الذى قضى تحت سقف منزله هو وعائلته المكونة من 12 فرداً بالكامل، فى استهداف إسرائيلى لمنزله، استشهد الأب، والأبناء: «غسان» و«عبدالقادر» و«عبدالرحمن» و«أسامة» و«أسعد»، والبنات: «آية» و«مريم» و«زينب» و«حليمة» و«ريم» و«عائشة»، وكلهم أطفال.
«الوطن» كانت فى مقبرة «جباليا» التى تبعد كيلومترات معدودة عن الحدود، امتلأت الأرض بالشهداء، فى كل ناحية من تلك المقابر تجد قبراً لشهيد، إلا أن الأرض لم تفرق بين شهدائها من المجاهدين أو هؤلاء الذين رابطوا فى منازلهم رافضين مغادرتها.
يقول «أبوخليل» إن هذا هو ما تخلفه الحرب دائماً: «كلما تجددت المواجهات وتوترت الأوضاع، نزيد الأرض من أجسادنا وأرواحنا، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء».
وسط المقابر، دفنت عائلة أخرى، هى عائلة «فؤاد حجازى» التى لم يتبق منها سوى الأم التى نُقلت بجراحها الخطيرة للعلاج فى القاهرة، يقول «هشام سالم» جارُ هذه الأسرة، إن «فؤاد» وطفليه «محمد» و«صهيب» راحوا ضحية قصف بطائرة إف 16 استهدفت منزلهم فانهار فوق رؤوسهم فى لحظات.
ويضيف «سالم» الذى يقع منزله على بعد أقل من متر واحد من منزل جاره بمنطقة تعرف باسم «بلوك 8» مخيم جباليا، إن جاره انتقل إلى داره المقابلة له، بعد انهيار منزله جراء قصف استهدفه عام 2008 وأدى إلى استشهاد ابنه الأكبر الذى كان يدعى «محمد».
يتابع: «بعد مجيئه هنا، رُزق بطفل جديد، فسماه محمداً أيضاً لحبه لابنه الشهيد، والآن ماتوا جميعاً، وكأن الاحتلال يُصر على القتل».
بجوار المنزل المدمر بالكامل، كان «عبدالرحمن» يجلس على كرسيه المتحرك، سألناه عن تلك الحرب التى هدأت، فقال: «الحرب متجددة حتى نحرر الوطن من المُحتل، فى عام 2008 أصبت بشلل نصفى بسبب قصف استهدف المسجد حيث كنت أصلى العصر، وهذه المرة كان القصف على بُعد مترين فقط من منزلى».
يضيف «عبدالرحمن» البالغ من العمر 20 عاماً، إن صاروخ الطائرة الذى دمر المنزل المجاور له كان قريباً جداً ولم يكن باستطاعته الهروب من المنزل دون مساعدة، وتابع: «أقعدنى الاحتلال ولم أعد قادراً على الحركة، وفى كل مرة يستهدف القصف منازل قريبة منى لا أستطيع الهرب، ولا أستطيع مساعدة أمى وإخوتى على الخروج من المنزل خوفاً من انهياره فوقنا».
أفاقت غزة أمس، على احتفالات وأناشيد للنصر الذى حققته خلال المواجهة الأخيرة، بينما استمرت فى تشييع شهداء الغارات الإسرائيلية، وفى عدد من المناطق شمال ووسط القطاع، شيعت جنازات الشهداء فاختلطت الفرحة بالحزن.
«محمود بكر» كان أحد شهداء استهداف الطائرات الإسرائيلية لسيارة شمال غزة، استشهد فيها 5 أشخاص من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، كان رقم 19 هو آخر سنوات عمره، ومن منزله انطلقت أناشيد النصر، وفيما كانت زغاريد النساء بتلك الشهادة التى أفضت للنصر، صرخت والدته: «أحرق الله قلوبهم على أعز ما لهم كما حرقوا قلوب أمهات فلسطين».
وأمام المجلس التشريعى وسط مدينة غزة، تعالت هتافات النصر والمقاومة، الكل هنا يرفع رايات فلسطين، فالنصر لم يكن فقط على جيش الاحتلال الذى دمر وخرب وقتل، لكنه كان المحنة التى وحدت صفوف الفصائل الفلسطينية أخيراً.
رفع آلاف الفلسطينيين كافة الرايات بيدٍ واحدة، أعلام حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، وسرايا القدس الجناح العسكرى لحركة الجهاد الإسلامى، وغيرها، رُفعت جميعاً وسط هتافات الوحدة.
تقول «أم نادر» إن الفلسطينيين يحبون الحياة، كلنا مقاومون ومرابطون، ، وتابعت: «أولادى سيكبرون على حلم تحرير الأقصى، إلا أننا لسنا وحوشاً، فنحن نخاف، ونبكى، مثل غيرنا من البشر، إلا أننا لن نسكت على الاعتداءات، وموقف مصر زادنا قوة».
لم تخلُ الساحة من أعلام جمهورية مصر العربية التى رُفعت عالياً، يقول أحد الشباب الذين كانوا يرفعون هذا العلم: «الآن نستطيع القول بأننا فخورون بالربيع العربى».