«عصبية الصعيد».. بداية النهاية
«عصبية الصعيد».. بداية النهاية
صورة أرشيفية
العائلات تهيمن على الصعيد والقبلية والعصبيات تعلن الانتصار، هكذا كان الحديث عقب الانتخابات، فمرشحو العائلات الكبرى انتصروا فى معاقلهم ولكن هذا القول يصف وجهاً للعملة ويتجاهل الوجه الآخر، فبعيداً عن فوز مرشح قبطى لأول مرة منذ عقود بمقعد فى مدينة أسيوط ووصول 24 قبطياً لجولة الإعادة وفوز سيدة من الوافدين تعمل مديرة لبنك هى منى شاكر فى أدفو دائرة الصراع التاريخى بين الجعافرة والعبابدة، فإن أصوات الناخبين فى الجولة الأولى وجولة الإعادة ترسم صورة جديدة للصعيد خلال السنوات المقبلة.
المرحلة الأولى أكدت تفكك «القبلية».. وفقدان العائلات الكبرى سيطرتها على جيل الشباب
فالصورة النهائية قد ترسم فوزاً ساحقاً للقيادات التقليدية والتربيطات التاريخية كما حدث فى نجع حمادى بفوز فتحى قنديل ومحمد الغول (وريث البرلمانى الراحل عبدالرحيم الغول وابن أخيه) وخالد خلف الله، ولكن فى نفس الدائرة كان هناك المرشح الذى يمكن اعتباره ظاهرة هذه الانتخابات البرلمانية، وهو أحمد تقى، هذا الشاب الذى خاض مع أصدقائه الانتخابات بشعار «الشباب يقدر» وبميزانية لا تزيد على مئات الجنيهات وخارج تربيطات العصبيات والعائلات ليحقق المفاجأة بالوصول إلى جولة الإعادة بل والحصول على عدد من الأصوات كادت تذهب به إلى شارع مجلس الشعب.
إن هذا المرشح كشف عن ظاهرة فى الصعيد وهى بداية تفكك قدرة العائلات والعصبيات على السيطرة على قسم كبير من الشباب الذى حصل على قدر من التعليم والثقافة فى مدن الصعيد ولم يعد يثق فى العلاقات التقليدية أو يتبع ما يقوله كبار العائلات «معصوب العينين».
صعود جيل جديد سيكون له تداعياته خلال العقد المقبل
صعود هذا الجيل فى مدن الصعيد ستكون له تداعياته البالغة خلال العقد المقبل، حيث إن محافظات الصعيد هى الأكثر شبابية فى مصر والتى دخلت متأخراً ما يصفه علماء الديموجرافيا المرحلة الثانية من التحول السكانى التى ترتفع فيها بشدة نسبة السكان فى عمر الشباب (18 - 29 عاماً)، وهو الجيل الذى يتضخم فى الوقت الذى تتراجع فيه قدرات ما يعرف بشبكات الأمان التقليدية فى توفير الخدمات والمصالح والوظائف، أو بقول آخر تراجع قدرات كبار العائلات والعصبيات فى منح الأموال والوظيفة لهذا العدد الكبير من الشباب، وبالتالى انتهاء سطوتها بصورتها القديمة.
وقد لفت نظرى فى هذا السياق صحفى زميل من الصعيد كتب مقالاً يحذر فيه من تراجع العصبية والقبلية فى الصعيد وتداعياته السلبية على الأمن والتماسك الاجتماعى ومخاطر محاولات البعض كسر شوكة القبيلة والعائلة، هذا المقال جعلنى أتمسك أكثر بضرورة رؤية التحولات فى الصعيد ديموجرافياً وكذلك نفوذ العلاقات التقليدية، فعندما يصرخ أصحاب المصالح فهذا يعنى أن «الحقيقة الجديدة» بدأت فى طرق الأبواب بقوة، وهى الحقيقة التى يظهر جزء منها فى انتخابات سوهاج التى دفعت بعدد ليس بقليل من القيادات التقليدية خارج البرلمان بل وانحازت للمرشحين الأصغر سناً من نفس العائلات، ولمن يهتم عليه مراجعة نتائج واتجاهات التصويت فى دوائر سوهاج وأخميم وساقلتة وطهطا.
فى النهاية فإن ما منحه الناخبون القليلون الذين ذهبوا لصناديق الاقتراع فى المرحلة الأولى يجب قراءته جيداً فالقراءة التفصيلية ستكون بمثابة كلمة السر التى تفتح أبواب مغارة كنز معرفة التحولات الاجتماعية والسياسية فى مصر فى اللحظة الراهنة، بعيداً عن التهوين والتهويل فيجب ألا «نخاف من نجهله بل نبحث عنه ليصبح سلاحاً للمستقبل».