3 أيديولوجيات دينية تقود العالم: «دابق» و«المهدى» و«هرمجدون»
3 أيديولوجيات دينية تقود العالم: «دابق» و«المهدى» و«هرمجدون»
مشهد من أحد فيديوهات «داعش» يستعرض فيه قواته العسكرية
ما يحدث فى سوريا من تدخل دولى تزعمته الولايات المتحدة، ثم تدخل روسى عسكرى جواً وأرضاً أمر ينبئ ببوادر حرب عالمية كبرى، لا سيما أن الحربين العالميتين السابقتين اندلعتا لأسباب أقل مما يحدث فى سوريا ثم العراق. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن أحد أسباب الدول الغربية وروسيا للتدخل العسكرى فى سوريا ثم العراق هو الحرب على الإرهاب، إلا أن للقضية أبعاداً أخرى بعضها اقتصادى، وآخر يتعلق بالنفوذ ودعم الحلفاء فى المنطقة، فما يحدث له بعد أيديولوجى عقائدى، يختفى خلف الستار، لكنه يُعد المحرك الأساسى لما يحدث، خاصة اعتماده على أيديولوجيات لرؤى عالمية لأطراف ثلاثة، تعطى خيار اندلاع حرب عالمية ثالثة فى المنطقة قوة ووجوداً.
كانت أسباب الحرب العالمية الأولى استعمارية بحتة، إلا أن اغتيال ولى عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند وزوجته من قبَل طالب روسى يُدعى غافريلو برينسيب فى سراييفو كان السبب فى إعلان النمسا الحرب على المملكة الصربية لتنشب الحرب العظمى التى سُميت الحرب العالمية الأولى فيما بعد. وكانت رغبة الرايخ الثالث النازى فى ألمانيا فى التوسع والسيطرة على مساحات واسعة من أوروبا سبباً لاشتعال الحرب العالمية الثانية بعد اجتياح ألمانيا لبولندا، لتنتقل الحرب لأوروبا، ومنها إلى باقى قارات العالم. وفى الحالة السورية وجارتها العراق فإن ما يحدث يحكمه ثلاث استراتيجيات تتسم بالعالمية والدخول فى صراع كبير يغير شكل العالم وخريطته، وهى استراتيجيات تعتمد على أساس دينى لا يمكن تجاهله فى الحالة السورية.
الأيديولوجية الأولى:
الاستراتيجية الجهادية
تعتمد على أساس دينى يهدف لإعادة دولة الخلافة، وفرض سيطرة الإسلام السنى الجهادى على العالم.
استراتيجية «أبومصعب» بدأت بـ«11 سبتمبر» وتنتهى بإعلان الخلافة والقضاء على إسرائيل
تعتمد تلك الاستراتيجية على الحديث النبوى الذى ورد فى كتاب الفتن وأشراط الساعة فى صحيح مسلم، كما أخرجه وصححه العلامة ناصر الدين الألبانى فى كتابه الصحيح الجامع، نصه: «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلى بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويُقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يُفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية». حاول تنظيم داعش، الذى يوضع فى أقصى اليمين للتنظيمات الجهادية، استغلال هذا الحديث، حتى إنه أخرج مجلة شهرية باللغة الإنجليزية تحمل اسم «دابق»، كما أنه فى عدد من أشهر إصداراته المرئية، كصليل الصوارم، الجزء الرابع، وإصدارات أخرى، ينهى الإصدار بصورة لجهادى يحمل علم داعش، يطل على سهل «دابق» فى إشارة لتلك المعركة، كما أعلن مؤخراً عن إنشاء وحدة من المغاوير تحمل اسم «دابق».
ويصدّر «داعش» انضمام أعضاء إليه من أوروبا وأمريكا على أنهم هم الذين سيقاتلون من الروم وبنى الأصفر مع المسلمين ولا يخلى بينهم جيش الروم. كما يحاول التنظيم الإرهابى ربط عدد من الدول المشاركة فى التحالف الدولى والتى تجاوز تعدادها ستين دولة مع الحديث الشريف الذى أورده البخارى فى صحيحه فى كتاب «الجزية»: «اعدد ستاً بين يدى الساعة، موتى ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بنى الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً». كما صدّر «داعش» لأنصاره بعد انضمام تركيا إلى التحالف الدولى، أنها نبوءة النبى التى تلى معركة دابق، وهى فتح القسطنطينية. التى هى إسطنبول حالياً. خطوات تنظيم داعش فى إعلانه الدولة الإسلامية فى العراق، ثم امتدادها فى الشام، ثم إعلان الخلافة، لم تأت دون دراسة، بل هى تطبيق لاستراتيجية الجهاد العالمى التى وضعها أبومصعب السورى، مصطفى ست مريم، أحد قيادات الجيل الأول من تنظيم القاعدة، وأحد منظرى الجهاد العالمى، حيث وضع المراحل الست للجهاد العالمى وضمّنها كتابه «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» فى أكثر من 1600 صفحة، وضمّنها محاضرات مسجلة بالصوت والصورة بلغت أكثر من 60 محاضرة.
«السيستانى» يطالب شباب الشيعة بالاستعداد للمشاركة فى «جيش المهدى».. و«إسماعيل»: الشيعة يتحالفون مع القوى العالمية لضرب الإسلام السنى وإظهار الفوضى والدماء اللذين تعقبهما «عودة المهدى»
وضع أبومصعب السورى تلك الاستراتيجية فى عام 1998، ووافق عليها أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة السابق، وهى محاولة لتحقيق نبوءة النبى صلى الله عليه وسلم: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» فى الحديث الذى أخرجه أحمد فى مسنده، ووضع لتنفيذ هدف الخلافة جدولاً زمنياً يتطابق إلى حد كبير مع ما حدث فى العالم العربى والإسلامى. أولى هذه المراحل «الإفاقة» وتأتى بضرب القوى الغربية، أو رأس القوى الغربية ورأس الكفر، وهى أمريكا، فى عقر دارها، لاستدراجها لضرب الأمة الإسلامية مباشرة، لنقل الجهاد من خارج العالم العربى، وعلى هامش محيط العالم الإسلامى، إلى قلب العالم الإسلامى، وتحديداً العراق وسوريا.
وحسب «أبومصعب السورى» فإن تلك المرحلة بدأت قبل غزوة «منهاتن»، الاسم الجهادى لأحداث 11 سبتمبر، وانتهت بغزو الأمريكان والبريطانيين للعراق. والمرحلة الثانية أطلق عليها «السورى»: «فتح العيون»، وتتضمن إتاحة الفرصة للأمة الإسلامية أن تكتشف الألاعيب والمؤامرات العالمية التى يشارك فيها بعض الدول العربية والإسلامية وحمايتهم لإسرائيل حسب «السورى».. تنتهى فى 2006م. يعقبها المرحلة الثالثة التى أطلق عليها: «قاعدة الجهاد»، وتشمل بناء قاعدة صلبة للجهاد فى العراق والشام، تستقطب شباب الإسلام من جميع الدول، تبدأ فى 2007 وتنتهى فى 2010، فى تلك الفترة وحسب مراحل السورى، فإن تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين شكّل مجلس شورى مجاهدين ليعلن إنشاء الدولة الإسلامية فى العراق لتكون قاعدة لاستقطاب الجهاديين. وتأتى المرحلة الرابعة، حسب السورى باسم «إسقاط الأنظمة»، وتتضمن العمل على إسقاط أنظمة عربية، وتوجيه رسالة بأنهم كانوا شرطى أمريكا لحماية إسرائيل فى المنطقة، وهذه المرحلة حددها «السورى» بأنها تأتى بين 2010 و2013، وهى الفترة التى سقطت فيها أنظمة عربية فى عدد من الدول بفعل ما أُطلق عليه الربيع العربى، وشهد تنامياً للمد الجهادى فى دول الربيع العربى.
ثم تأتى المرحلة الخامسة، أو مرحلة «الفراغ العربى» الذى يأتى نتيجة سقوط عدد من الأنظمة العربية، لتسقط الدول العربية فى حالة من الفراغ والتوحش، تُستغل لإقامة دولة جهادية قوية تستنزف الأنظمة العربية الباقية، وتواجه القوات الأمريكية والغربية، التى سيقل دعمها لإسرائيل نتيجة الاستنزاف المستمر من مواجهة الدولة الجهادية التى سيكون مددها الجهاديين فى العالم الإسلامى السنى، لتأتى هذه المرحلة بين عامى 2013 و2016.
المرحلة السادسة والأخيرة هى مرحلة «دابق» التى تتضمن حرباً شاملة تمتد لسنوات بين قوى الخير وقوى الشر، تنتهى بمواجهة مع إسرائيل لتنتهى إلى التمكين الكامل وإعلان دولة الخلافة العالمية. تعليقاً على الاستراتيجية العالمية للجهاد، أوضح الدكتور صبرة القاسمى، الخبير فى الحركات الجهادية، منسق الجبهة الوسطية، أن الاستراتيجية التى وضعها أبومصعب السورى وافق عليها أسامة بن لادن، وبدأت بالتخطيط لأحداث 11 سبتمبر التى سبقتها خلية حاول بها أسامة بن لادن تنفيذ ضربة فى أمريكا إلا أنه فشل لأنه استعان بأشخاص لهم تاريخ جهادى، مع بداية عملهم بدأ تتبعهم أمنياً، فحلَّ الخلية، ليستعين بخلية هامبورج التى ليس لها أى تاريخ جهادى يُذكر، ويكون العمل بصورة لا مركزية، لضمان نجاح العملية. وأكد «القاسمى» أن الجهاد العالمى الذى يتزعمه داعش، ومعه الفصائل الجهادية الأخرى، يسعى لإشعال المنطقة فى حرب عالمية ثالثة، إضفاء منهم لطابع القداسة وتحقيق نبوءات آخر الزمن التى تنبأ بها النبى صلى الله عليه وسلم، ما يتضح فى أفعالهم وأقوالهم وليِّهم للحقائق للتماشى مع أهوائهم.
الأيديولوجية الثانية:
الاستراتيجية الشيعية
تحكم الحالة السورية والعراقية وتهدف لإشعال المنطقة عالمياً وتعتمد على المهدى المنتظر ودولته. فى خطبته للجمعة بمدينة كربلاء بالعراق يوم 29 مايو 2015، طالب المرجع الشيعى العراقى آية الله على السيستانى، الشباب الشيعى بالتدريب والاستعداد للقتال مع دولة الإمام المهدى المنتظر، ليس فى العراق فقط، بل فى أى مكان آخر لأن «دولة المهدى هى كل الأرض» حسب قوله.
استراتيجية الشيعة الاثنى عشرية، وهم الأغلبية الشيعية فى العالم، ومنهم شيعة إيران والعراق، تعتمد على المهدى المنتظر، وهو الإمام محمد بن الحسن العسكرى، الذى غاب فى سرداب فى سامراء العراق، إلى أن يعود، ويسبقه فى ذلك 12 إماماً مهدياً يمهدون له. والمهدى أو الإمام الغائب، هو الإمام الثانى عشر لدى الشيعة الاثنى عشرية الذين يعتقدون أنه غاب منذ عام 382 فى كهف أو «سرداب» بسامراء العراق، وحسب روايات الشيعة، فإن المهدى الأعظم «محمد بن الحسن العسكرى» لن يعود إلا بعد أن ينتشر فى الأرض الفساد والدماء والقتل، ليخوض حرباً كبرى فى الشام، يشكل بعدها دولة عالمية تضم إيران والعراق والشام كاملة، وشبه الجزيرة العربية، ومصر وجزءاً من السودان، والمغرب العربى، لتكون دولة آل البيت.
ستكون ضد أعداء البيت لإخضاعهم، لإعادة نشر المذهب الشيعى بالكامل، ومكانها سوريا، ما يفسر اهتمام الشيعة من شتى أنحاء العالم بالجانب السورى، حتى إن الميليشيات الشيعية العاملة فى سوريا من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان ولبنان والهند، تجاوزت السبعين ميليشيا مسلحة، ولن تكون تلك الحرب إلا بعد أن يكون للمهدى منبر فى مصر، أى أتباع كثيرون. وقال وليد إسماعيل، الباحث فى الشئون الشيعية، مؤسس ائتلاف الدفاع عن الصحب والآل، إن الشيعة الإيرانيين والعراقيين يتحالفون مع القوى العالمية لقتال السنة فى العراق لإشاعة الفوضى والفساد التى يعقبها ظهور المهدى ودولتهم الشيعية.
الأيديولوجية الثالثة:
الاستراتيجية المسيحية
تهدد بإشعال حرب عالمية ثالثة وتتقارب مع الأيديولوجية الإسرائيلية فى ضرورة قيام دولة إسرائيل الكبرى. ففى عقب نجاح القوات الأمريكية فى غزو العراق والسيطرة على بغداد، خطب جورج بوش الابن، رئيس الولايات المتحدة، وقتها فى بعض وحدات الجيش الأمريكى، ووصف الحرب على العراق بأنها حرب صليبية. جورج بوش الابن من أسرة مسيحية متدينة تعتنق البروتستانتية، وتتبع ما يسمى المسيحية الصهيونية التى ترى أن الأرض ستشهد عودة السيد المسيح فى دولة إسرائيل الكبرى، ومع عودته سيقود المسيح معركة هرمجدون، وهى كلمة عبرانية تعنى «جبل مجدو» وهى مدينة قديمة بين الشام وفلسطين، لتتسع تلك الحرب لتشمل العالم كله. فى الكتاب المقدس، العهد الجديد، رؤيا يوحنا اللاهوتى: «فجمعهم إلى الموضع الذى يُدعى بالعبرانية هرمجدون» 16: 14. وكانت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية قالت فى تصريحات عن الحرب الروسية فى سوريا: «كل حرب ضد الإرهاب هى حرب تتمتع بميزة أخلاقية، ويمكن حتى تسميتها بحرب مقدسة»، الأمر الذى أثار انتقادات عدد من النشطاء، ما رفضه المعارض السورى بسام جعارة، قائلاً فى حسابه على تويتر: «دعوة الكنيسة الأرثوذكسية إلى حرب مقدسة فى سوريا ستستدعى الدعوة إلى إعلان الجهاد، الكنيسة الأرثوذكسية وصفت معركة بوتين فى سوريا بالمقدسة، يعنى حرباً صليبية، والحرب المقدسة تستدعى الدعوة إلى الجهاد».
فى تقرير صحفى ذكرت «صنداى إكسبريس» البريطانية أن «زوال العالم بات وشيكاً وأن معركة هرمجدون، حرب نهاية العالم، مقبلة لا محالة». وما يحدث فى سوريا يعتبره الكثيرون بداية حرب عالمية ثالثة، بثلاث استراتيجيات دينية مختلفة، جهادية سنية، وشيعية اثنى عشرية، ومسيحية بروتستانتية، وصفتها الكنيسة الروسية الأرثوذكسية بالحرب المقدسة، إلا أنها رغم اختلافها تتفق فى نقاط، أن مكان هذه الحرب هو سوريا أو الشام، وأنها ستكون الحرب الأخيرة، التى ستُخضع الأعداء المخالفين، أو تكون نهاية العالم.