خبراء استراتيجيون: حرب «تكسير عظام» بين روسيا والولايات المتحدة
خبراء استراتيجيون: حرب «تكسير عظام» بين روسيا والولايات المتحدة
الشريف وفؤاد
قال خبراء عسكريون واستراتيجيون إن حالة الصراع الدائرة بين الولايات المتحدة الأمريكية، ودولة روسيا الاتحادية هى نوع من «الحرب الباردة» الجديدة، والتى تلقى بظلالها على منطقة الشرق الأوسط عبر «صراع تكسير العظام» بين الطرفين فى جولة جديدة من «لعبة الشطرنج» التى تتحرك فيها كلتا الدولتين لتحقق كل منهما مكسباً فى تحركاتها على حساب الطرف الآخر.
«الشريف»: القوة النووية تمنع أى صدام.. و«العمدة»: لن تحدث «مواجهات مباشرة».. والصراع على زيادة مناطق النفوذ
واستبعد الخبراء دخول الدولتين الكبيرتين وحلفائهما فى «حرب عالمية ثالثة»، لافتين إلى أن كلتا الدولتين تسعى لزيادة مناطق نفوذها فى العالم، وعلاقاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة بما لن يؤثر على مصالح أى من الطرفين بشكل مباشر، ومن ثم لن يصل الأمر إلى حرب مباشرة تتضمن مواجهات عسكرية موسعة على غرار حرب عالمية، ولكنها ستواصل «الحرب الباردة» فى إطار سعى كل منهما لتوسيع نطاق نفوذها.
الدكتور مدحت الشريف، استشارى الاقتصاد السياسى وسياسات الأمن القومى، قال إن ما يحدث فى المنطقة، وخاصة فى الأراضى السورية من وجود عسكرى روسى، والحلف المكون من عدد من الدول بقيادة الولايات المتحدة يأتى فى إطار «حرب باردة جديدة» بين الدولتين الكبيرتين، لافتاً إلى أنه فى ثمانينات وتسعينات القرن الماضى كانت الحرب الباردة تقوم بمحددات تشتمل على تدخلات عسكرية فى مناطق عدة سواء من الولايات المتحدة أو روسيا، ولكن لم يقم صدام عسكرى مباشر بين الدولتين خلال تلك الفترة من «الحرب الباردة». أضاف استشارى الاقتصاد السياسى وسياسات الأمن القومى، فى تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أن الوضع الراهن لكلتا الدولتين يوجد مع رادع قوى لمنع الصدام المباشر بينهما نظراً لأنهما من القوى النووية الكبرى فى العالم، وهو ما يعنى أن كل دولة من الدول التى تمتلك تلك التكنولوجيا المتطورة مثل «واشنطن»، و«موسكو»، و«بكين» يكون لديها القدرة على رد أى هجوم نووى عليها بعد الضربة الأولى، وهو ما يُطلق عليه «الضربة الثانية»، لذا فإن هذا الرادع القوى يجعل أى دولة تنوى الدخول فى «حرب عالمية ثالثة» تتوقع أن تتعرض بلادها لضربات نووية مدمرة حتى لو حظيت هى بالضربة الاستباقية النووية وفقاً لمبدأ «المبادأة» طبقاً للمفاهيم العسكرية. وأوضح «الشريف» أن المنطقة لن تشهد أية «حرب عالمية» على المنظور القريب على ضوء التطورات الجارية حالياً بالمنطقة. ولفت استشارى سياسات الأمن القومى إلى أن الشكل المعلن لتحالفات القوتين الكبيرتين فى المنطقة هو «الحلفاء الأوروبيون» للولايات المتحدة، والصين وبعض دول آسيا لدولة روسيا الاتحادية. وأكد «الشريف» أن مصر لا تزال «الحليف المستقر» لكافة الدول المتصارعة فى الشرق الأوسط، والتى تتصارع «صراع الأفيال»، مردفاً: «ومن الواضح من تحركات السياسة الخارجية لنا هو التعامل مع جميع الأطراف طبقاً للمصلحة الوطنية المصرية، وشاهدنا تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى على هامش حضوره الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتى تؤكد أن علاقاتنا مع أمريكا علاقة استراتيجية، ولعلنا نتذكر زيارة سيادته الأخيرة إلى روسيا، والتى أكد خلالها عمق العلاقات الاستراتيجية معها». وشدد استشارى سياسات الأمن القومى على أن مصدر قوة مصر فى «المرحلة الحرجة» التى تعيشها المنطقة تعتمد على الاصطفاف الشعبى خلف الإدارة السياسية، وتفعيل التعاون «العربى - العربى» اقتصادياً، وأمنياً، والتغلب على خلافات تشكيل القوة العربية المشتركة لتشكيل مظلة دولية للتدخل فى حل الأزمات، خاصةً أننا جزء من منطقة الصراع الدائر بين القوى الكبرى حالياً.
نصر سالم: الساحة الدولية لا تحتمل قيام «حرب عالمية ثالثة».. ومختار قنديل: القوى العالمية تحرك عناصرها بما يتوافق مع تحركاتها لـ«تقسيم مناطق النفوذ».. ونبيل فؤاد: «واشنطن وموسكو» لا تسعيان للحرب
اتفق معه اللواء عادل العمدة، نائب مدير كلية الدفاع الوطنى السابق والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، والذى أكد أن ما تشهده المنطقة والعالم هو «حرب» تستهدف تكسير العظام بين كلتا الدولتين الكبيرتين فى إطار مصالح كل دولة منهما، والسعى لزيادة منطقة نفوذها فى العالم. أضاف «العمدة»، فى تصريح لـ«الوطن»، أن الحروب الباردة لا تتضمن «مواجهات مباشرة»، ولكنها تكون «حروباً بالوكالة»، موضحاً أن التدخل العسكرى الروسى يأتى لـ«تعرية» التحركات الأمريكية، وكشف دعمها لـ«داعش»، مردفاً: «ولكنى أعتقد أن الجانب الروسى قد اتخذ الإجراءات القانونية الأممية لهذا التدخل، وتم التصديق عليها من جانب البرلمان الروسى، مع موافقة النظام السورى الحاكم». وأشار المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، فى تصريح لـ«الوطن»، إلى أن الطلعات الجوية الأمريكية لم تحقق إنجازاً كبيراً فى مواجهة تنظيم «داعش»، ولكن تأثير الطلعات الروسية يفضح أمام الجميع الدعم الأمريكى لـ«داعش». وأوضح «العمدة» أن «داعش» كانت إحدى الآليات الأمريكية الفاعلة فى المنطقة، إلا أن وجودها لفترة، وبدء خروجها عن الاتفاق بينهما جعلها تنتهى منها بعدما حققت غرض وجودها، وبالتالى لن يُحدث ذلك صراعاً بينها وبين «موسكو». ولفت المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا إلى أن اعتبار تنظيم داعش امتداداً لـ«القاعدة»، وهى سبب انهيار الاتحاد السوفيتى، هو أمر يدفع روسيا لتحاول الثأر منها، لافتاً إلى أن الدول الكبرى تسعى لحماية مصالحها ما يدفع لوجود «لغة حوار» بينها، مشدداً على عدم وجود نية دولية حالياً لبدء حرب عالمية جديدة. وعن الدور الإيرانى فى المنطقة، قال «العمدة» إن «طهران» إحدى الأدوات الفاعلة للولايات المتحدة حالياً لتعمل وفقاً لهدف رئيسى هو تأجيج الصراع «السنى-الشيعى» بالمنطقة، مما قد يحدث صراعاً بينها وبين الدول العربية ليحقق المصلحة الأمريكية بأن تظل الدول العربية فى حاجة دائمة إليها. وشدد اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالقوات المسلحة والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، على أن الساحة الدولية حالياً لا تحتمل وجود أية حرب عالمية على نقيض بعض الآراء التى ترى أنها ستقوم، لافتاً إلى أن الحلف الأمريكى فشل فى تحقيق أى نتائج ملموسة على الأرض طوال فترة تجاوزت العام بسبب اقتصارها على الضربات الجوية فقط، فيما أن روسيا تنسق مع الجيش السورى بقواته البرية على الأرض، ما يجعل ضرباتها مؤثرة فى التنظيم الإرهابى. وأضاف رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، أن روسيا قادرة على المواجهات العسكرية فى كل من دولتى سوريا والعراق، لافتاً إلى أهمية تنسيق الجهود لبدء عملية فى العراق على غرار التحرك الروسى فى سوريا بهدف عدم إعطاء التنظيمات الإرهابية أى فرصة لتوحيد صفوفها، وجمع شتاتها فى أى منطقة، وذلك لأن العدو واحد فى كلتا الدولتين.
فيما يرى اللواء محمد الشهاوى، مستشار كلية القادة والأركان والخبير العسكرى والاستراتيجى، أن اشتراك «موسكو» فى محاربة تنظيم داعش الإرهابى، ووجود الصين فى معادلة التدخل أيضاً أمر يساعد فى مسألة حصار الإرهاب والقضاء عليه فى الأراضى السورية والمنطقة، لافتاً إلى أن الفترة التى قادت فيها الولايات المتحدة تحالفاً دولياً لمواجهة التنظيم فى فترة تمتد إلى ما يزيد على عام ونصف شهدت نتائج مخيبة للآمال، بينما تُقدر «موسكو» فترة من ثلاثة إلى أربعة أشهر للقضاء على الإرهابيين فى الأراضى السورية. وعن الموقف المصرى بشأن المعركة الدائرة على الأراضى السورية حالياً، قال مستشار «القادة والأركان» إنه يعبر عنه تصريحات السفير سامح شكرى، وزير الخارجية، والذى قال إن المعركة ضربات تحاصر الإرهاب هناك، موضحاً أن تلك الضربات قد تمثل عامل ردع يجعلهم يلتزمون بمفاوضات سلمية بين جميع الأطراف حال التفكير فى اللجوء إليها، وذلك بعد سقوط نحو 300 ألف قتيل من السوريين، ووجود ملايين اللاجئين، مختتماً تصريحاته، قائلاً: «التدخل الروسى يقلل أمد الصراع بسوريا ومن ثم المنطقة».
بينما اعتبر اللواء محمد مختار قنديل، مساعد مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا الأسبق والخبير العسكرى والاستراتيجى، أن التدخل الروسى فى الأراضى السورية يأتى حفاظاً على أمنها القومى بسبب وجود نحو 4 آلاف مقاتل لدى التنظيمات الإرهابية من دولة سوريا والدول المجاورة لها، ومن ثم فإن تدخلها تأييداً لحليفتها السورية، وللحفاظ على كيانها القائم ذاته. أضاف مساعد مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا الأسبق، فى تصريح لـ«الوطن»، أنه لا توجد أى من القوى الفاعلة على الصعيد العالمى تريد شن حرب عالمية جديدة، ولكنهم يتحركون فى «لعبة» أشبه بـ«لعبة الشطرنج»، موضحاً أن كل طرف يحرك أحد عناصره فى اللعبة يحقق «خبطة» للطرف الآخر فى إطار تحركهم لـ«تقسيم مناطق النفوذ». وأوضح «قنديل» أن روسيا تريد أن تكون موجودة ولها مناطق نفوذ بمنطقة الشرق الأوسط وآسيا، وتريد أن تكون لأمريكا الأمريكتين وجزء من دول أوروبا، ولكن أمريكا تسعى لتكون لها أكبر سلطة ونفوذ ممكن تحقيقه فى العالم.
من جانبه، قال اللواء نبيل فؤاد، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الأسبق بالقوات المسلحة، إن الحرب العالمية يكون لها حساباتها بين الدول الكبرى فى العالم لأنها تعنى «الفناء»، مشدداً على أن كلاً من «واشنطن» و«موسكو» لا تسعيان لتلك الحرب سواء على المدى القريب أو البعيد. وأشار «فؤاد»، إلى وجود تعديل فى موقف كل من السعودية، وأمريكا، وأوروبا، بسبب التدخل الروسى فى سوريا لتقل حدة مواقفهم المضادة للرئيس السورى بشار الأسد، مشدداً على أن الموقف المصرى تجاه القضية السورية ثابت، وهو الانحياز إلى الشعب السورى، فى حين نتخذ الحياد بين كل من أمريكا، وروسيا.