سيناء.. نموذج لـ«مقبرة الدواعش»
سيناء.. نموذج لـ«مقبرة الدواعش»
جثث «الدواعش» فى سيناء بعد أن قضت عليهم قوات الجيش المصرى
«داعش مصر» لم يكن هذا الاسم موجوداً قبل عام من الآن، وحتى يوم 9 نوفمبر 2014، ظهر هذا الكيان إلى العلن، بعد إعلان تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى فى سيناء، مبايعته لأبى بكر البغدادى، زعيم داعش، ليكتسب الصراع دخل سيناء بين الجيش المصرى والجماعات الإرهابية مزيداً من الشراسة. تعمد التنظيم أن يكون الإعلان الرسمى لمبايعة داعش، بعد تنفيذه هجوماً إرهابياً، 25 أكتوبر 2014، استهدف كمين كرم القواديس بشمال سيناء، واستشهد خلاله عدد كبير من جنود الجيش المصرى، ليكون هذا العمل الإرهابى بمثابة «قربان ولاء» للبغدادى وبأوامر مباشرة منه، على حسب العناصر الجهادية على المواقع التكفيرية، إلا أن الفيديو الخاص بالعملية كشف أن التنظيم بايع البغدادى فعلياً قبل العملية بشهور عديدة.
«بيت المقدس» استغل حكم الإخوان لتطوير نفسه عسكرياً.. والجيش المصرى يضرب مثالاً لمواجهة التنظيم الإرهابى
فبعد أيام من هجوم كرم القواديس، أصدر تنظيم داعش تسجيلاً صوتياً، 9 نوفمبر 2014، مدته أكثر من تسع دقائق، أعلن فيه تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى، مبايعته لأبى بكر البغدادى، وجاء مضمون مبايعة بيت المقدس: «طاعة لأمر الله ورسوله بعدم التفرق ولزوم الجماعة، نعلن مبايعة الخليفة إبراهيم بن عواد بن إبراهيم القرشى الحسينى على السمع والطاعة فى العسر واليسر، وفى المنشط والمكره، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفراً بواحاً»، فى إشارة إلى زعيم تنظيم الدولة أبوبكر البغدادى. ودعا التنظيم «المسلمين لمبايعة الخليفة البغدادى»، وتابع أنه «ارتفعت راية التوحيد، وطبقت الحدود، وأزيلت الحواجز، وكسرت الحدود، وأعلنت الخلافة فى العراق والشام، واختار المسلمون خليفة لهم، ولم يسع أحد إلا أن يلبى داعى الله». وحرض التنظيم، خلال التسجيل الصوتى، المواطنين على مواجهة النظام الحالى بالسلاح قائلاً: «لن تنفعكم السلمية المخزية (فى إشارة إلى مظاهرات الإخوان)، ولا الديمقراطية الكفرية، وقد رأيتم كيف أودت بأصحابها».
لم تكن مبايعة بيت المقدس لداعش وتحوله لأحد فروع التنظيم الأم الموجود فى العراق، بالأمر السهل، على حسب مصادر قريبة من العناصر الجهادية، حيث كان التنظيم بالفعل ينتمى لتنظيم القاعدة (العدو اللدود لتنظيم داعش)، بشكل أدى إلى انشقاق عدد من قيادات بيت المقدس على رأسهم هشام عشماوى، المسئول عن عملية محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، فضلاً عن وقف تنظيم القاعدة الدعم المادى والعسكرى لـ«بيت المقدس». تحول تنظيم بيت المقدس إلى كيان أكثر دموية بعد مبايعة التنظيم، حيث لم يكتف بتنفيذ هجمات إرهابية على قوات الجيش فى سيناء، كان أشهرها كرم القواديس وعدداً من المبانى الأمنية فى سيناء والهجوم على قسم ثانى العريش وعدد من الكمائن الأمنية، فقط بل استهدف أيضاً المواطنين المدنيين الداعمين للجيش، حيث أقدم على ذبح وقتل عدد منهم بتهمة التعاون مع الجيش المصرى. كما حاول التنظيم التمدد خارج سيناء، من تدشينه ما بـ«خلايا الوادى»، وهى عبارة عن خلايا عنقودية لا ترتبط ببعضها هيكلياً، ويقتصر الأمر فقط على التنسيق مع بيت المقدس فى سيناء، وأطلق التنظيم على هذه الخلايا عدداً من الأسماء من بينها «الدولة الإسلامية مصر» و«ولاية القاهرة» و«ولاية الصعيد» ومهمتها تنفيذ عمليات إرهابية بالقاهرة والصعيد، فتشكل منها خلية «عرب شركس» وتورطت فى عدد من الهجمات الإرهابية. وكشف حادث مقتل عدد من السياح المكسيكيين، أثناء مطاردة قوات الجيش لعدد من العناصر الإرهابية، التابعة لتنظيم داعش، فى منطقة الواحات بالصحراء الغربية، محاولات التنظيم تدشين بؤرة إرهابية جديدة فى الصحراء الغربية، مستغلاً الظهير الصحراوى والطبيعة الجغرافية للمكان. وبالعودة إلى بدايات ظهور تنظيم بيت المقدس الإرهابى، قبل مبايعة داعش، سنجد أن أول ظهور لأنصار بيت المقدس إعلامياً بعد ثورة 25 يناير، بعد تنفيذها سلسلة تفجيرات فى سيناء، حيث تبنى التنظيم مجموعة تفجيرات متتالية لخط الغاز لعدة مرات بعد ثورة يناير 2011. وبدأ التنظيم يطور من إمكانياته العسكرية، أثناء حكم الإخوان ونفذ أكبر عملية إرهابية له وعرفت باسم «مذبحة رفح الأولى» وهى مذبحة نفذت على الحدود بين مصر وإسرائيل، 6 أغسطس 2012، من قبل جماعة أنصار بيت المقدس الإرهابية، وأسفرت عن استشهاد 16 ضابطاً وجندياً مصرياً، وإصابة 7 آخرين، بالقرب من معبر كرم أبوسالم، حيث استولى الجناة على مدرعتين تابعتين لقوات الجيش من كمين أمنى، والتى أقيل على أثرها المشير «طنطاوى» والفريق «سامى عنان».
وكشف تصريح محمد البلتاجى الذى هدد فيه بوقف العنف فى سيناء فور عودة مرسى، التنسيق بين «الإخوان» مع جماعة أنصار بيت المقدس، وأن قيادات بمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان تواصلوا مع أنصار بيت المقدس، وقدموا لها دعماً مادياً ومعنوياً ولوجيستياً، وتعاملوا على أنها مخزون استراتيجى يمكن أن يستخدم لصالحهم لو تطلب الأمر، تاركة لهم حرية الحركة من خلال فتح الأبواب والمعابر،
وزادت خطورة التنظيم بعد عزل «مرسى» والإطاحة بحكم جماعة الإخوان، ففى أعقاب 25 يناير استغل التنظيم الانفلات الأمنى فى تهريب السلاح عبر الحدود مع ليبيا وغزة ونفذ به العديد من العمليات الإرهابية، حيث تبنى تفجيرات متتالية لخط الغاز المؤدى إلى إسرائيل عبر محافظة شمال سيناء، التى تجاوزت 17 تفجيراً، كما اختطف 25 صينياً، وتم تحريرهم فى الثانى من فبراير 2012، مقابل الإفراج عن معتقلين من بدو سيناء.
وبعد عزل مرسى ازدادت العمليات الإرهابية التى نفذها التنظيم عقب، خاصة أنه استغل عدم ضبط الحدود مع ليبيا لتهريب كميات كبيرة من السلاح فى تلك الفترة، وحاول التنظيم تدمير وحرق قسم شرطة ثان العريش، كما نفذ مذبحة رفح الثانية، بقتله 25 من جنود الأمن المركزى، 19 أغسطس 2013، بالإضافة إلى محاولة اغتيال وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، سبتمبر 2013، كما أعلنت جماعة «أنصار بيت المقدس» مسئوليتها عن مقتل المقدم محمد مبروك، مسئول ملف الإخوان المسلمين فى جهاز الأمن الوطنى- أمن الدولة سابقاً- نوفمبر 2013، وتبنت الجماعة تفجير مديرية أمن الدقهلية، ديسمبر 2013، الذى أسفر عن مقتل 16، من بينهم 14 من ضباط الأمن، بالإضافة إلى إعلان التنظيم مسئوليته عن الهجوم على مدينة إيلات الإسرائيلية، وكمين أمنى فى محافظة بنى سويف أودى بحياة 6 من ضباط الشرطة، وتفجير مديرية أمن القاهرة، وإسقاط مروحية عسكرية بسيناء، يناير 2014، واغتيال مدير المكتب الفنى لوزير الداخلية فى يناير 2014، فى ذكرى ثورة 25 يناير.
وعلى الرغم من المحاولات المستميتة للتنظيم الإرهابى لفرض سيطرته على سيناء، والتمدد خارج شبه الجزيرة، فإن حملات الجيش المصرى المستمرة ضده والتى كان آخرها عملية «حق الشهيد» حالت دون ذلك، لتتراجع العمليات الإرهابية للتنظيم بشكل ملحوظ، وتقل قدرته العسكرية فى سيناء، لكنه عاد للمشهد من جديد مع تبنيه إسقاط الطائرة الروسية، وإعلان الجانب الروسى أن الطائرة تم إسقاطها نتيجة عمل إرهابى.