لا جدال أننا بحاجة إلى تطوير منظومة الأمن فى بلادى فكراً وسلوكاً فى إطار تطوير شامل لمفهوم العمل الحقيقى لدى المواطن وأسلوبه. ولكن لا جدال أيضاً أنه وعلى الرغم من كل الظروف التى مرت بنا على مدار السنوات الماضية وعدم توافر الإمكانيات اللازمة لعملية التطوير كما يجب أن تكون، إلا أننا نجحنا بنسبة كبيرة جداً فى حماية الوطن والمواطن ومؤسسات الدولة. والحقيقة أننى لست من هواة المقارنات بين الأفراد أو المجتمعات لإدراكى للمعنى الحقيقى للاختلاف وظروفه ورؤية كل طرف وإمكانياته المادية والفكرية وأسسه السياسية، ولكننى فى ظل الأحداث الأخيرة التى تشهدها أوروبا عموماً وفرنسا على وجه الخصوص أجدنى أتوقف للتأمل فى المشهد الذى لا طالما صدّروه لنا بمنطق تقدمهم وتخلفنا!
ولن أستعين إلا بما نُشر وأُعلن من تصريحات وبيانات فى وسائل الإعلام الفرنسية على لسان مسئوليهم، لعل من يظلل السواد دوماً على المشهد فى بلادى ليل نهار يدرك عدم صحة اعتماد هذا المنهج كطريقة للتنوير أو حتى النقد. ففى أحداث الجمعة 13 نوفمبر فى باريس تم الإعلان عن أن ثلاثة انتحاريين مسلحين بالرشاشات هم من قتلوا نحو 89 مواطناً فرنسياً فى مسرح باتكلان، وعندما شعروا بمجىء الشرطة فجروا الأحزمة الناسفة التى كانت حول أجسادهم!!!! وهنا لا بد من التساؤل ببساطة: كيف يمكن أن يحدث فى بلد كباريس التى تدرك معنى الإرهاب وتعرضت له مطلع العام الحالى بقسوة، بلد متقدم فى الأمن وغيره من المجالات، كيف يمكن دخول القتلة للمسرح وبحوزتهم ثلاث رشاشات؟ وقد أمنح نفسى بعضاً من خيال الأفلام الأكشن فأجيب أنهم حصلوا عليها مثلاً من نوافذ الحمام أو ثغرة ما -خان فيها من خان أو فسد فيها من فسد- ولكن السؤال الأهم: ألم تلتقط أجهزة وماكينات العبور تلك الأحزمة الناسفة حول الأجساد الانتحارية عند العبور من خلالها؟ ألم تطلق أى من تلك الأجهزة الموجودة فى كل مبانى ومؤسسات أوروبا والدول المتقدمة أى صفارة إنذار تشير لذلك الاختراق لأمن الدولة المتقدمة حتى لا تتساوى معنا نحن الدولة التى سقطت على جزء من أراضيها طائرة قالوا إنها فُخخت بقنبلة بعد أيام من سقوطها وكأنهم هم العالمون؟!
وطالما هم العالمون هكذا بكل صغيرة وكبيرة ويفهمونها وهى متفجرة، ألم يلتقطوا أى مؤشر للتحذير من تلك الهجمات قبل حدوثها بكل أجهزة مخابراتهم المتقدمة؟ ألم تلتقط بريطانيا أى محادثات تليفونية بين الدواعش فى بلجيكا والدواعش فى فرنسا كما التقطت تلك المحادثة بين دواعش سوريا وسيناء للتأكيد على تفجير الطائرة؟، حتى فرنسا وبلجيكا أقرب!! ويكتمل المشهد غموضاً يا سادة عند استاد فرنسا ليلة الحادث وكيف أن انتحاريين آخرين فجروا أنفسهم فى محيطه فسقط ما يقرب من 38 قتيلاً فى مكان يوجد فيه رئيس الدولة؟! يااااااه وأين السيارات المجهزة والمعدات المتقدمة والعيون وكاميرات المراقبة يا متقدمين يا بتوع المدارس؟! غاب كل هذا فى ظل تقارير تؤكد تجاهل كل من فرنسا وبلجيكا لتقارير الإرهاب على بلادهم. غاب كل هذا ليلصقوا بنا وحدنا تهم التخلف والإهمال وعدم الاكتراث بحياة البشر. غاب كل هذا فى ظل أصوات عالية لا تعرف إلا التهوين بكل ما نفعله وتهويل كل ما يفعلونه. ليظلوا كباراً وإن تهاونوا وقصروا وأخفقوا، ونظل أقزاماً وإن بذلنا الروح وقدمنا دماء الأطهار وحمينا بلادنا قدر ما شاء الله!!
لا أقلل من حجم الفجيعة ولا أشمت فى مصابهم، ولكن فقط أطلب العدل فى التعامل مع ما نواجه بالقدر ذاته الذى تعاملوا به مع مصابهم. ولذا ليس أمامى إلا الدعاء للمجاهيل ممن يحمون أرضنا وعرضنا ودماءنا فيمنحوننا الأمن، حتى لو كان الثمن حياتهم. ولنرفعها شعاراً نكرره كل يوم: المجد للمجاهيل.