د. صلاح سليمان: الحديث عن مؤامرة لتغيير المناخ «كلام فارغ»
د. صلاح سليمان: الحديث عن مؤامرة لتغيير المناخ «كلام فارغ»
د. صلاح سليمان
مستشار مكتبة الإسكندرية وأستاذ كيمياء المبيدات والسموم لـ« »: «الاحترار العالمى» أدى لتغير جدول «نوات» الإسكندرية
يذهب إلى مكتبه فى مكتبة الإسكندرية، فى الصباح الباكر، ليستمتع بممارسة هوايته اليومية فى القراءة والبحث والاطلاع، والنظر إلى مياه البحر من الشرفة، يفكر فى حلول للمشاكل البيئية من حوله، بعد أن عاش حياته مخلصاً للعلم، دون أن يتقيد بتخصصه العلمى فى «كيمياء المبيدات»، فتوسع فى دراسة كل ما يخص البيئة والزراعة والتنمية.
الدكتور صلاح سليمان، مستشار مدير مكتبة الإسكندرية وأستاذ كيمياء المبيدات والسموم بجامعة الإسكندرية، قدم العديد من البرامج لآلاف الشباب، من أجل تنمية مهاراتهم وأفكارهم والاستفادة من قدراتهم، رافعاً شعار «التعليم بالمشاركة».
«سليمان» أكد لـ«الوطن» أن «الاحترار» خطر حقيقى، يحدق بالعلم الآن، بعد ارتفاع متوسط حرارة العالم درجة، مؤخراً، لافتاً إلى أن أمريكا لم تبدِ استجابة فعلية لتحذيرات تغير المناخ، إلا بعد أن طورت من تكنولوجيا تقليل الانبعاثات الضارة، سعياً منها لتصدير تلك التكنولوجيا للعالم، نافياً أن تكون هناك «مؤامرة» كما يدعى البعض لتغيير مناخ الدول، والتأثير عليها، كما أشار إلى الحديث عن استصلاح 4٫5 مليون فدان فى مصر، ما هو إلا «شطحات حالمة».. وإلى نص الحوار:
■ بداية.. هل ترى أن تغير المناخ يشكل خطراً حقيقياً على العالم؟
- لا شك أن تغير المناخ أصبح واقعاً، فالتقرير الخامس للبرنامج الدولى لتغير المناخ، كشف عن ارتفاع متوسط درجة الحرارة على مستوى العالم خلال الـ50 سنة الماضية بنسبة درجة كاملة، وهو أمر خطير، لأن ارتفاع الحرارة لدرجة واحدة فى متوسط معدل حرارة العالم، يغير الكثير، فلك أن تتخيل أن ما يفصلنا عن العصور الجليدية، 5 درجات حرارة فقط، أقل من متوسط درجة حرارة العالم الآن، ولكن تغير المناخ لا يحدث فى ليلة وضحاها، وإنما هو تغيرات طويلة المدى فى المناخ، الذى يشمل درجة الحرارة، وشدة الرياح، والأمطار.
أمريكا لم تبدِ استجابة لتحذيرات تغير المناخ إلا عندما طورت تكنولوجيا تقليل الانبعاثات الضارة من أجل تصديرها للعالم
■ وهل تلك الدرجة هى سبب ما يوصف بالاحترار العالمى؟
- نعم، فالاحترار العالمى، هو زيادة متوسط درجة حرارة سطح الأرض نتيجة زيادة تركيز غارات الاحترار فى الجو، مثل ثانى أكسيد الكربون، والميثان، فتلك الغازات تمتص بعضاً من طاقة الأشعة المقبلة أو العائدة من سطح الأرض للفضاء، ما يؤثر على درجة الحرارة بشكل عام.
ويُعد ثانى أكسيد الكربون وحده مسئولاً عن 50% من كمية الطاقة التى تحتبس بكل هذه الغازات فى جو الأرض، ما يبرر توجه العالم لمحاولة تقليل انبعاثاته فى محاولة للحفاظ على متوسط درجة الحرارة العالمية.
■ وما خطورة الاحترار العالمى؟
- يؤثر على صحة الإنسان وعلى الزراعة وعلى الموارد المائية، ومعدلات هطول الأمطار، وشدة الرياح وسرعتها، كما يتسبب فى إذابة الثلوج أعلى قمم الجبال، ومن ثم ارتفاع مستوى سطح البحر وتدمير مواطن المعيشة والكائنات، مثلما يحدث فى مناطق مثل ألاسكا، فضلاً عن جفاف الأنهار كما فى نهر كولورادو فى ولاية أريزونا الأمريكية.
■ هناك من يصفون تلك الظاهرة، بالمؤامرة العالمية أو ما يعرف بـ«الكمترويل»؟
- أؤكد أن أى حديث عن نظرية مؤامرة فى تغير المناخ أو قيام بعض الدول باستخدام تكنولوجيا معينة لتغييره فى دول أو مناطق أخرى، لتحقيق أهداف سرية، فيما يعرف بـ«الكيمتريل»، مجرد «كلام فارغ»، مع أن هناك أساساً علمياً لتلك الادعاءات، لكن التطبيق الفعلى لها شبه مستحيل، ويتطلب تكاليف خيالية، فعملياً يمكن استخدام مادة معينة لإسقاط الأمطار، لكن فى نطاق ضيق ولأغراض بحثية، ولا دليل فعلياً حتى الآن على توظيف هذا العلم فى محاولة تغيير المناخ بين الدول.
■ ماذا عن مصر فيما يتعلق بالاحترار العالمى؟
- مصر من الدول التى لا يمكن أن تتميز بأنها دولة باعثة للغازات المتسببة فى التحرر العالمى، لأن معدلات انبعاث ثانى أكسيد الكربون فيها أقل من المتوسط العالمى، إلا أنها بطبيعة الحال ستعانى من آثار تلك الظاهرة كغيرها من دول العالم، فتغير متوسط درجة الحرارة العالمية سيؤثر على الجميع.
العودة للفحم كمصدر للطاقة «كارثة».. والانبعاثات الناتجة عنه تقصف الأعمار وتزيد أعباء النظام الصحى
■ هل يمكن أن تهدد تلك الظاهرة بغرق بعض مدن العالم؟
- علمياً فإن غرق الأرض يأتى نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر عن اليابس، وهناك عاملان أساسيان يساعدان على ذلك، الأول: هو إذابة الثلوج أعلى الجبال وتحولها لمياه تزيد من منسوب مياه البحار، والثانى: تمدد مياه البحار نفسها نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، وبالتالى لا يمكن أن نستبعد علمياً احتمال غرق بعض المناطق فى العالم على المدى الطويل.
■ إذاً، علمياً لا يوجد مبرر لاستبعاد احتمالية غرق مدينة مثل الإسكندرية مستقبلاً؟
- الإسكندرية تحديداً عبارة عن سلسلة متوازية من المرتفعات أو الهضاب، مختلفة الارتفاعات، فهناك مناطق مرتفعة عن منسوب البحر بمعدلات متفاوتة، ومناطق أقل، ومن الصعب أن تغرق المناطق المرتفعة، لكن المناطق الأخرى، وتحديداً جنوب الإسكندرية من الممكن أن تتسرب إليها المياه من أبوقير وتغرق، لكن هذا يتوقف على مدى استمرار تلك الظاهرة وكيفية الاستعداد لمواجهتها.
■ فى رأيك مَن المسئول الأول على تطور ظاهرة الاحترار العالمى؟
- الدول الصناعية الكبرى، وفى البداية كانت الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، ثم انضمت لهما الصين والهند، وتعد الصين الآن من أكبر مصادر الانبعاثات، إذ ثبت أن تلك الظاهرة مرتبطة بالثورة الصناعية التى لا شك أنها والتحول التكنولوجى من أهم أسباب الاحترار العالمى، خصوصاً الدول الصناعية والمنتجة التى تسبب أكبر قدر من الانبعاث نتيجة لحرق الوقود، فضلاً عن السنوات التى ظلت فيها العديد من تلك الدول تعتمد حرق الفحم، وحرق وإزالة الغابات.
■ هل هناك محاولات عالمية لخفض انبعاث ثانى أكسيد الكربون الآن؟
- بدأ العالم يشعر بالخطر من تلك الظاهرة، وأقيم العديد من المؤتمرات الدولية لمواجهة تغير المناخ، بمشاركة العديد من الدول وخصوصاً الدول الصناعية الكبرى، وبدأت بعضها رفع كفاءة استهلاك الوقود، والاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فعلياً، كما اتفقت معظم دول العالم على العودة لمعدل الانبعاثات لما كان عليه بين عامى 2002 وحتى 2004.
مشروع استصلاح 4.5 مليون فدان «شطحات حالمة».. وتنفيذه يحتاج لـ32 مليار جنيه
■ وما موقف الولايات المتحدة تحديداً؟
- فى البداية الأمر لم تظهر الولايات المتحدة الأمريكية استجابة فعلية لتحذيرات العالم من تغير المناخ، لكنها بدأت الانضمام للجهود العالمية فى هذا الشأن بعد أن طورت من تكنولوجيا تقليل الانبعاثات الضارة سعياً منها لتصدير تلك التكنولوجيا للعالم. وأدركت معظم دول العالم أنها ستعانى من تلك المشكلة، وأنه يجب أن تعمل معاً لإنقاذ الأرض كى يستطيع البشر البقاء عليها، فالمسألة لم تعد متعلقة بدولة بعينها، فالمخاطر تطول العالم كله.
■ كيف ترى ما حدث فى الإسكندرية أوائل فبراير الماضى؟
- ما حدث فى الإسكندرية دليل على تغيير الطقس، إذ إن الأمطار التى أغرقت العديد من شوارع المدينة وبعض القرى، غير موسمية، وقعت فى وقت ليس له علاقة بجدول النوات المتعارف عليه، وتغيير أجندة النوات هو إحدى نتائج الاحترار العالمى، وفى الماضى، كنا نسمى أمطار الإسكندرية «رخات» نتيجة لطبيعتها وشكلها، فالإسكندرية دائماً لم تكن الأمطار فيها بالشكل الذى كانت عليه فى أوائل نوفمبر الماضى، لكن هذا لا يعنى أن تلك الأمطار هى العامل الوحيد المتسبب فى غرق العديد من شوارع وقرى مدينة الإسكندرية.
■ وما العوامل الأخرى؟
- الإسكندرية كانت تتميز بشبكة لتصريف مياه الأمطار فى البحر، منفصلة عن شبكة الصرف الصحى، لكن مع حدوث توسعات فى الكورنيش والأعمال الإنشائية تعطلت تلك الشبكة، وتعطل صرف مياه الأمطار، التى أصبحت تصرف من خلال شبكة الصرف العادية، ومع زيادة نسبة الأمطار لم تستطع شبكة الصرف الصحى تحمل عبء مياهها، وهذا يفسر غرق المناطق الشمالية بالمدينة، أما الشريط الجنوبى لمدينة الإسكندرية، فتمتد عليه بحيرة مريوط التى عانت فى الفترة الماضية من التعديات والردم العشوائى من قبل الأهالى، علما بأن منسوب تلك البحيرة أقل من معدل سطح البحر، ومع هطول الأمطار وتنشيع مياه البحر على البحيرة من الأسفل، ارتفع منسوبها بدرجة أكبر من طاقة الطلمبات التى ترفع المياه الزائدة من البحيرة، ما أدى إلى إغراق المناطق والقرى المطلة عليها.
ويجب أن يدرك الجميع أن مياه البحار تنشع من تحت الأرض وتصل حتى جنوب الإسكندرية، ومع ارتفاع منسوب المياه يزداد هذا التنشيع وقد يؤثر على أساسات بعض المنازل الضعيفة.
■ إذن، الأمطار لا تهدد منازل الإسكندرية من الأعلى فقط، بل تحت الأرض أيضاً؟
- طبعاً لأن تلك الظاهرة تؤثر على منسوب المياه الجوفية، ومياه البحر التى تنشع من أسفل الأرض تؤثر على أساسات بعض المنازل، وهنا لا أعنى المنازل المطلة على الكورنيش، لأن معظمها شيد على أرض أعلى من منسوب البحر، لكن أقصد المنازل التى تم بناؤها فى مناطق ارتفاعها أقل من منسوب البحر، وهى جنوب الإسكندرية، وتصل إليها مياه البحر من تحت الأرض، ما يهدد سلامة تلك المبانى التى معظمها قديم البناء أو شُيد دون تراخيص.
أسباب غرق بعض قرى البحيرة عدم تطهير شبكات الصرف الخاصة برى الأراضى الزراعية ما أدى لتراكم مياه الصرف مع مياه الأمطار
■ ماذا عن شبكة الصرف الصحى بالإسكندرية؟
- يجب أن نعرف أن متوسط ما يصرف إلى شبكات الصرف الصحى من الأنشطة المباشرة وغير المباشرة للفرد فى المدن الكبرى مثل الإسكندرية يتراوح بين 250 إلى 300 لتر يومياً، وإذا سحبنا تلك الأرقام على الإسكندرية التى تضم نحو 5 ملايين من البشر فسنجد أن شبكة صرفها الصحى كان يجب أن تكون مصممة الآن لاستيعاب مليون ونصف المليون، متر مكعب من مدخلات الصرف الصحى، إضافة لما ستفرضه الزيادة المستقبلية المتوقعة حتى عام 2050 بسبب الزيادة السكانية وزيادة احتياجات الفرد، بينما المحطات المتاحة الآن لمعالجة الصرف بالإسكندرية حتى مع إضافة المحطة الجديدة غرب المدينة لا يمكنها استيعاب المخرجات الحالية.
■ كيف يمكننا الاستفادة من مياه الصرف الصحى؟
- مياه الصرف الصحى فى الخارج ثروة، أما فى مصر فهى كارثة، مع أننا فى أشد الحاجة لها لنأكل ونشرب، وعلينا أن نسعى للاستفادة من إعادة تدوير المياه، إذ إن تقرير هيئة حماية البيئة الأمريكية أكد أن الماء المعاد تدويره يمكن أن يحقق معظم احتياجات الناس من الماء إذا جرت معالجته بالدرجة التى تضمن جودته، وكلما اقترب الغرض الذى يستخدم فيه الماء المعاد تدويره من الإنسان وأنشطته المباشرة زادت المتطلبات الواجبة فى معالجة ذلك الماء.
لكن قبل أن نبدأ بشكل فعلى وجاد فى هذا الأمر علينا أن نضع فى البداية قواعد ومحددات لعمليات معالجة مياه الصرف تبدأ بالمعالجة الأولية التى يتم خلالها ترسيب المواد العالقة بالماء فى أحواض أو برك خاصة، ثم معالجة ثانوية للماء السابق تركه لفترة مناسبة لعمليات الأكسدة الحيوية وإضافة مواد مطهرة لقتل الجراثيم والكائنات الدقيقة الضارة الموجودة فيه، وبعد تلك العملية يمكن أن تتحول مياه الصرف المعالج إلى ثروة تستخدم فى أغراض مثل الرى السطحى فى زراعات الزهور وبساتين الكروم وغير من المحاصيل التى لا تؤكل طازجة.
■ ماذا عن محافظة البحيرة؟
- أعتقد أن من أهم أسباب غرق بعض قراها هو عدم تطهير شبكات الصرف الخاصة برى الأراضى الزراعية، ما أدى لتراكم مياه الصرف مع تراكم مياه الأمطار.
■ كيف ترى دور وزارة البيئة؟
- وزارة البيئة فى أمس الحاجة لإعادة هيكلة من الناحية الفنية، ولا بد أن يعاد صياغة قانون البيئة فى مصر بصورة تجعله يركز فى الأساس على تصحيح سلوكيات المخالفين دون التركيز فقط على العقاب.
■ بصفتك أستاذاً فى المبيدات والسموم، ما حقيقة المبيدات المسرطنة فى مصر؟
- لا يوجد ما يسمى بالمبيدات المسرطنة فى مصر، وكل المبيدات التى أجازتها لجنة المبيدات بوزارة الزراعة على مر تاريخها استخدمت فى أوروبا وأمريكا، وكل المبيدات التى حُرم استخدامها فى أوروبا وأمريكا، جرِّم استخدامها فى مصر، لكن الحقيقة أن المشكلة ليست فى المبيدات، وإنما فى كيفية استخدامها، أى نسب الجرعات، وطريقة وتوقيتات الاستخدام، فضلاً عن بعض الممارسات الخاطئة، مثل جمع المحاصيل قبل مرور ما يسمى بفترة الأمان الخاصة بها، كل ذلك يؤثر على النباتات، لأن المبيدات فى النهاية سموم لقتل الحشرات.
لا مبيدات مسرطنة فى مصر والمشكلة فى كيفية استخدامها ونسب وتوقيتات الجرعات والممارسات الخاطئة
■ هل يمكن تطبيق ذلك فى مصر؟
- نعم، لكن علينا فى البداية أن ننظر إلى المياه الموجودة فى الصرف الصحى باعتبارها موارد، تضاف إلى مواردنا المائية التى تتناقص بشدة، فمياه الصرف الصحى الناتجة من الإسكندرية حالياً إذا ما عولجت معالجة أولية وثانوية، فيمكنها أن توفر ما يكفى لزراعة نحو 150 ألف فدان، ومن الضرورى حث المستثمرين على المشاركة فى مشاريع محطات المعالجة الصحيحة لمياه الصرف الصحى، وتوصيلها لمناطق استصلاح قريبة فى الصحراء الواسعة جنوب غرب المدينة لزراعتها، ومن ثم زيادة الإنتاج الزراعى.
■ كتبت مقالاً ترفض فيه العودة لاستخدام الفحم كمصدر للطاقة فى مصر، لماذا؟
- نعم، وقلت إن التوجه لاستخدام الفحم كمصدر للطاقة أمر كارثى، فالسعر العالمى الظاهرى الذى يباع به الفحم يجعله وقوداً رخيصاً للغاية، لكن علينا أن نأخذ فى الاعتبار قيمة التأثيرات السلبية لاستخدامه على صحة المواطنين والنظم البيئية والاقتصاد العام والسياحة والالتزامات الدولية، فحرق الفحم عند استخدامه كوقود فى المصانع ومحطات توليد الكهرباء والمنازل يسبب انبعاث غازات ومواد شديدة الخطر تُمرِضُ الناس وتقصف أعمارهم ما يزيد من أعباء النظام الصحى ومجمل الإنتاج والتنمية، فضلاً عن أن كثرة الانبعاثات تزيد من تنامى ظاهرة تغير المناخ وتلوث البيئة، واستخدام الفحم كوقود يطلق عدداً من الملوثات شديدة السمية والخطر وبكميات كبيرة للبيئة، وفيما يبقى بعضها كمخلفات صلبة (رماد) ينطلق بعضها فى الجو، وهذه النواتج مسئولة عن كثير من الأمراض والوفيات، ومن هذه الملوثات الزرنيخ والزئبق والكروم والكادميوم واليورانيوم والثوريوم ومخاطرها غنية عن التعريف، وهذا بخلاف أكاسيد النيتروجين والكبريت والمسئولة عن السحابة السوداء، والأمطار الحامضية على التوالى، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية أيضاً على السياحة.
■ لماذا وصفت مشروع استصلاح 4.5 مليون فدان فى مصر بـ«الشطحات الحالمة»؟
- باستخدام آخر ما توصلت إليه نظم الرى فى مصر وباعتبار أن إجمالى المتاح السنوى من الماء لمصر هو 65 بليون متر مكعب (من النيل والمياه الجوفية والأمطار)، وأننا نستخدم 80% من هذا الماء فى زراعة الـ8 ملايين فدان الزراعية المتاحة الآن، فإننا نحتاج إلى ما يزيد على 30 بليون متر مكعب من الماء.
وتوفير تلك الكمية يحتاج لزيادة حصتنا فى مياه النيل، فى الوقت التى تستمر فيه إثيوبيا فى تشييد سد النهضة، بزيادة سحب المياه الجوفية أو بزيادة الأمطار أو بخلق مصادر مياه جديدة بتحلية مياه البحر أو تنقية مياه الصرف الزراعى أو الصحى، وباعتبار أن تكلفة البنية التحتية اللازمة لاستصلاح الأراضى للزراعة التى تشمل التمهيد وإنشاء شبكات الرى والصرف وضخ ورفع المياه، تقدر بنحو 8 آلاف جنيه للفدان فإننا سنحتاج إلى توفير 32 بليون جنيه لاستصلاح تلك المساحة.
■ إذاً لهذا السبب وصفت المشروع بأنه مجرد شطحات؟
- نعم، لقد ضيعنا طاقات لا تعوض وأموالاً وموارد من المستحيل استرجاعها على تلك الشطحات الحالمة، ولم يعد لدينا المزيد لنضيعه أو ليتكسب من خلفه أصحاب تلك العقول المروجة للأحلام.
وعلينا مراجعة المسئول عن تحميل الجهة العليا بالدولة مسئولية مشروع فى حاجة إلى دراسات مستحقة فى ضوء الفقر المائى الذى نعانى منه ولجوء أصحاب الفكرة بدلاً من تحمل المسئولية إلى الإيحاء بأنهم منفذون لإرادة علوية من الدولة، فإذا نجحوا كان لهم الفضل، وإن فشلوا فعلى الإرادة العليا يقع اللوم.
وعلى أصحاب تلك الشطحات، ألا يزوروا القرى الخربة المسكونة بالأشباح والمزارع الجدباء فى المشروع القومى لشباب الخريجين فى شمال كفر الشيخ، التى أنفق على حلمها بلايين الجنيهات، ناهيك عن مرارة الفشل والإحباط التى أصابتهم وغيرهم فى مواقع أخرى، ولمن لا يعرف الطريق إلى مواقع تلك المشاريع سأكون سعيداً بتوصيله ليراها بنفسه.
فى المقابل، علينا أن نهبط إلى الواقع، ونشجع البحث العلمى الزراعى الجاد لانتخاب سلالات أكثر إنتاجية وقيمة وباحتياج مائى أقل.