رجال حول إسلام مسعود: ابن موت.. و"كأن كل الصفات الحلوة لازم تتقتل وسطنا"
يصدح الفجر بآذانه، برودة الجو تنخر العظام لكنها لم تمنعه من تنحية الغطاء للنهوض من سريريه، ينظر لحائط الغرفة ويبتسم، حائط مكتظ بصور شخص واحد، اسمه محمد مرسي، ووظيفته رئيس مصر، يؤمن به، ويدافع عنه، ومنذ ثلاثة أيام، قرر إعلاناً دستورياً، كان إسلام من أشد المناصرين له، يوافق على كل ما يقرر رئيسه، ويدافع عن كل ما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، حيث نشأ في أسرة إخوانية، بداية من والدته، وأخواله نبيل ومحمد، الذين يتولون عنايته، مروراً بأخيه إبراهيم، لكن أخيه الثاني أحمد ينتمي لحزب الدستور.
خرج مصلياً الفجر، التف حوله مجموعة من الصبية، إذ يتولى إسلام فتحي مسعود الاعتناء بهم، يعلمهم القرآن، يذاكر لهم دروسهم، ويعينهم على ما يصعب عليهم، يخبرهم بألا يبدأوا في المذاكرة إلا بعد قراءة ورد من القرآن، فهو خير البداية. شدد عليهم أن يحافظوا على صلاة الفجر في المسجد، ففيها الراحة، والقرب الخالص من الله، أثناء عودته صادف سيدة تجاورهم السكن، وأخذت تدعي له بالصلاح، والرضا من الله، دعوة يومية، تصيبه من قبلها، إذ يساعدها كلما احتاجت شيئاً.
يدلف للمنزل، يستعد للذهاب للمدرسة، ومن ثم إلى ميدان الساعة حيث مقر "الإخوان"، تطلب منه والدته الاعتناء بنفسه، وألا يعرضها للخطر، ويعود إليها سريعاً، حيث بدأت تمرض، وتحتاج لوجودها جواره.
يكمل خاله، نبيل بدر، سرد قصة إسلام، قائلاً إنه من المطيعين لوالدته، لا يعصي لها أمراً، وكان دائم القرب من الله، وحين بدأت الهجمات الشرسة على مقر الإخوان المسلمين بدمنهور، كان في طلليعة المدافعين عن المقر، من ناحية لتأييده قرار الرئيس، ومن ناحية أخرى لأنه كان يبتغي بذلك وجه الله. يؤكد أن إسلام "كان سابق سنه، كان 15 سنة، بس عقله راجح زي اللي عنده 30 سنة".
يكمل خاله سرد أحداث يوم الأحد الدامي، إذ كان إسلام كالعادة موجود، وكالعادة يتقدم الصفوف، دخل إلى المقر حاملاً في يديه البصل والجلسرين، ليقوا أنفسهم ويل الدخان والغاز، يومها كان الخال نبيل معه في الميدان، حيث ينتمي لجماعة الإخوان أيضا، وكان موجوداً مساندة لهم. يقول إن اليوم كانت الهجمة أشد ضراوة، ويصف المهاجمين بالبلطجية المأجورين من مدن بعيدة عن دمنهور مثل كفر الدوار، أتوا لميدان الساعة بالخرطوش والسيوف والمولوتوف ليكسروا شوكة الإخوان ضمن مخطط معد سلفاً، حسب قوله، يقول إنه في منتصف ساحة الميدان، أمسك به خمسة من الجانب الآخر، من أمام مبنى أمن الدولة المهجور، الذي يتم داخله إعداد قنابل المولوتوف، وأخذوا يضربون رأسه بالهراوات في غياب قوات الأمن، خمس ضربات تلقاها، أسقطته غارقاً في دمائه ميتاً بنزيف داخلي، ينفي بأن الطوبة وحدها كانت السبب، أو أن ثمة اختناق أودى بحياته كما تحدث طبيب الامتياز، حمل إسلام من قبل ابن عمته، وجهه أحيل لزرقة شديدة، وروحه بدأت في الصعود، لكنه أبى أن تخرج، قبل أن يذكر والدته، حيث قال لابن عمته: "قول لأمي تسامحني". أغمض عينيه، مخلفاً ورائه أماً سامحته، وزفته بنفسها باكية عند قبره للحور العين.
الأستاذ سليمان محمود، كان الأستاذ المشرف على إسلام داخل جماعة الإخوان المسلمين، يحكي عنه قائلاً إن أبرز ما كان يسمه "الطاعة"، فلم يكن يرفض قراراً يبلغ به من قبل من هم أعلى منه، كان يطيعه، وينفذه ويدعو له، ويضرب مثلاً بقرارات الدكتور مرسي الأخيرة، التي دافع عنها بأثمن ما يملك: حياته.
يصفه بأنه لا يؤخر فرضاً، ولا ينسى فضلاً، يقول إنه كان مقبلاً على التعلم، يرغب في الدعوة إلى الله، حلمه الأكبر، أن يدعو إلى الله، ويهدي الناس إلى طريق الحق، لا يذكر أستاذه سليمان، أن إسلام قد تشاجر يوماً مع زميل له، أو جاء أحدهم يشكوه إليه، كان هادئاً، نسمة رطبة في الهواء، تمضي فلا يشعر بها أحد، هكذا إسلام، مضى، لم يكمل على الأرض إلا خمسة عشر عاماً، أحلامه وطموحه، قتل غدراً، السياسة التي أقحم فيها أودت بحياته مبكراً، يقول أستاذه "كان ابن موت، كأن كل الصفات الحلوة دي مينفعش تعيش، فاتقتل".
في الصداقة، كان خير صديق، في الضيق كان يقتسم مع أقرانه همهم، يروح عنهم أتراحهم، ويسلو عنهم أحزانهم، وفي الفرح يكون حاضراً، يشاركهم فيه، يسعد معهم، ويؤدي ما عليه من واجب، يحكي باسم محمد، صديق إسلام الأقرب، أنه لا يصدق رحيله، مازال الأمر في طور عدم الاستيعاب بالنسبة إليه، باسم الذي أمضى أوقاتاً طويلة داخل بيت إسلام، لا يعرف كيف أنه لن يقبل على نفس البيت من جديد "إسلام طالع من بيت كرم"، يتذكر مدرسة إسلام، وكيف كان رقيقاً في المدرسة، يحب أصدقائه، ويتعاطف مع البعيدين عنه، يقول صديقه إن موت إسلام وحد من خلفه جميع الصفوف في الجنازة المهيبة، التي سار فيها الكل كتفاً إلى كتف، يشير إلى أن هذه هي "النهضة الحقيقية"، يحكي موقفاً حدث قريباً، حيث توفى أحد الطلبة أثناء هروبه من المدرسة، وقتذاك اغتم إسلام، أصابه قنوط شديد على الموتة، والسن التي مات فيها زميله الذي لم يكن قريباً منه، يقول باسم إنه استغرب تلك الحالة التي سيطرت على إسلام حين زاره في ذلك اليوم "كأنه كان عارف أنّه مش حيعيش كتير وحيموت بدري زيه".