إن صدقت المؤشرات الأولية لنسبة المشاركة ولنتائج الانتخابات الرئاسية، يصبح لزاما علينا ونحن نقطع خطوة جديدة فى مسار معقد لبناء الديمقراطية أن ندرك الحقائق التالية:
١- تظل نسب المشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات متأرجحة بين ٤٠ و٥٠ بالمائة، وتمنيت مع الاهتمام الشعبى الواسع ومع طوابير الناخبات والناخبين فى اليوم الأول وتفاؤلاً باعتيادنا الذهاب لمراكز الاقتراع أن تتجاوز نسبة المشاركة حاجز الخمسين وتقترب من ٦٠ بالمائة، إلا أن المؤشرات الأولية تدلل على أن نصف الهيئة الناخبة فى مصر ما زال عازفاً عن المشاركة وعلى الأرجح لأسباب متفاوتة من عدم الرضاء عن المرشحين إلى عدم الرضاء عن السياسة بالكامل، بناء الديمقراطية مرهون بتفعيل هذا النصف المعطل وتحفيزه على المشاركة.
٢- نفذت الثورة العظيمة وأحلامها بالديمقراطية والحرية ودولة العدالة الاجتماعية والقانون ومواطنة الحقوق المتساوية إلى شريحة من المصريات والمصريين تتراوح بين ربع وثلث المشاركين فى الانتخابات الرئاسية. أسجل هذا وفقا لمؤشرات التصويت الأولية وما حصده المرشحون المعبرون عن الثورة، أما مصر العميقة؛ مصر أجهزة الدولة التنفيذية والإدارية والمحلية، مصر الريف والصعيد بعيدا عن المناطق الحضرية، مصر المواطن الباحث عن الأمن والاستقرار بصورة تقليدية عمادها (وعلى الرغم من معاناة العقود الماضية) الرئيس القوى مطلق الصلاحيات، مصر المواطن المتعايش مع الفساد، فتظل بعيدة كل البعد عن الثورة وأحلامها، نحن أمام انقسام حاد فى مجتمعنا، والسياسة والانتخابات مرآتان كاشفتان له.
٣- القوتان التقليديتان فى السياسة المصرية قبل الثورة، النظام السابق والإخوان، تظلان الأكثر نفوذا وتأثيرا. حشدت عناصر الحزب الوطنى المنحل وبتحالفاتها المعروفة مع الأجهزة التنفيذية والإدارية للمرشح أحمد شفيق، وكذلك وظف المال السياسى المتحالف مع النظام القديم بقوة، أما الإخوان فحشدوا بقدراتهم التنظيمية والمالية لمرشحهم محمد مرسى ولم يعانوا، فيما يبدو، من انشقاقات مؤثرة بالمعنى الانتخابى من جراء ترشح عبدالمنعم أبوالفتوح، مازالت التركيبة التقليدية للسياسة قائمة، وإن أضيف إليها مكون الدولة الديمقراطية والمدنية الذى عبر عنه انتخابيا حمدين صباحى وإلى حد ما أبوالفتوح.
٤- هناك كتل ناخبة بدأت اختياراتها الانتخابية تتشكل بوضوح، تحديدا الشباب والأقباط. الكتلة الأولى فى أغلبيتها مع الثورة والتغيير والمدنية وتعطى صوتها لمن يجسدهم دون حسابات أخرى، أما الأقباط، فالخوف من الدولة الضعيفة ومن هيمنة مشروع الإسلام السياسى يدفعان أغلبيتهم للتصويت إما لمرشح دولة الأمن والاستقرار أو لمرشح الدولة المدنية. ويبدو أن أغلبية الأقباط فى الانتخابات الرئاسية صوتوا لمن اعتقدوا أنه مرشح دولة الأمن وتناسوا بالكامل أحلام الديمقراطية والدولة المدنية (وهى مضاد الدولة العسكرية أيضاً) التى شاركوا فى صناعتها فى ميدان التحرير.
هذه قراءة فى مؤشرات نتائج، تصدم الحاملين لأحلام الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، على الرغم مما فعله حمدين صباحى وصعوده للمركز الثالث، ولكن على الرغم من ذلك ومع وطأة توظيف المال السياسى من قبل القوتين التقليديتين فى السياسة المصرية وهبوط نسبة المشاركة عن الـ٥٠ بالمائة، نظل مع انتخابات تعددية وتنافسية ومع خطوة جديدة نقطعها فى مسار معقد لبناء الديمقراطية.