حصار البنوك بين «القصرين»
فى ظل حالة الزخم السياسى الراهنة التى تشهدها البلاد منذ أن صدر الإعلان الدستورى الشهر الماضى، قررت البنوك إغلاق جميع فروعها القريبة من الاشتباكات ومناطق المظاهرات والتجمعات، سواء الرافضة أو المؤيدة للقرارات الرئاسية الأخيرة، وذلك على نطاق منطقة جاردن سيتى وشارع «قصر العينى» ومحيط قصر الاتحادية، وهو ما يجعل فروع البنوك تحت حصار تلك الاشتباكات.
الأسبوع الماضى شهد عملية سطو مسلح على ماكينة صراف البنك الأهلى المصرى، حيث تمت سرقة 400 ألف جنيه منها.
وتراجعت الاحتياطيات النقدية الأجنبية بالبنك المركزى المصرى خلال شهر نوفمبر الماضى بنحو 448 مليون دولار بنسبة 2.8% لتصل إلى 15.035 مليار دولار مقابل 15.483 مليار دولار فى نهاية أكتوبر الماضى، بينما توقع مصرفيون عودته إلى الارتفاع مرة أخرى بدعم من الموافقة على قرض صندوق النقد الدولى واستقرار الأمور على الصعيد المحلى.
إسماعيل حسن، رئيس مجلس إدارة بنك مصر- إيران للتنمية، قال إنه من الطبيعى أن تتأثر إيرادات الدولة من النقد الأجنبى بالأزمات السياسية، خصوصاً دخْل العملة الصعبة من النشاط السياحى واستثمارات الأجانب قصيرة الأجل، سواء فى أذون الخزانة أو الأسهم المتداولة فى سوق المال.
وأضاف حسن أن انخفاض الاحتياطى النقدى الأجنبى أمر طبيعى ومنطقى، فى ظل المرحلة التى تمر بها البلاد سياسياً واقتصادياً وأمنياً، مشيراً إلى أن البنوك المركزية تكوِّن الاحتياطيات النقدية الدولية لاستخدامه فى أوقات الأزمات، وأن اتجاهه للاستقرار أو الارتفاع أو الهبوط بشكل عام أهم من قيمة الرصيد نفسه خلال فترة قصيرة.
وأوضح قائلاً: «ما لدىّ معلومات فى هذا الشأن قياساً بما لدى السلطة المعنية المتمثلة فى البنك المركزى المصرى، والتى تدير الاحتياطى النقدى منذ الثورة يوماً بيوم وبشكل محترف، لا يمكن أن تشير إلى اتجاهات الاحتياطى الحقيقية، إلا أنه يمكن الإشارة إلى أن الهدوء السياسى ودوران عجلة الاقتصاد تساهم بشكل قوى فى زيادة حجم موارد الدولة من النقد الأجنبى، وهو ما ينعكس إيجاباً على أرصدة (الاحتياطى) لدى (المركزى)».
وأشار إلى أن مصر تمر بظروف استثنائية لها تأثير سلبى على السياحة والاستثمارات، سواء المحلية أو الأجنبية منها، على الصعيد الداخلى وكلها موارد للأموال من الطبيعى أن تتأثر بالأحداث.
وأضاف أن ما شهدته مصر من أحداث خلال الأيام القليلة الماضية يجب وضعها فى قالبها الطبيعى، وهى شبه عادية، ويجب الالتفات إلى أن تفاقُم الأزمة وارتفاع حدة الصراع يضر سمعة الاقتصاد المصرى على المستوى الخارجى.
وأضاف أنه من المتوقع أن يتم الاتفاق بين مصر والصندوق تتيح 4.8 مليار دولار فى الموعد المحدد، وهو ما سيؤدى إلى تدفق الشريحة الأولى بقيمة 1.5 مليار دولار، مما يسهم فى دعم أرصدة «الاحتياطى النقدى»، لافتاً إلى أن قيمة القرض رغم أهميتها ليست الهدف الأساسى من الحصول عليه، بينما تتمثل الفائدة الأولى والأساسية منه فى الحصول على شهادة ثقة من الصندوق بأن الاقتصاد يستطيع الوقوف على قدميه، وهو ما يعد عنصراً جاذباً للاستثمارات بجميع أنواع آجالها.
وطالب إسماعيل أن تحدث حالة من التوافق السياسى حتى تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران بكامل طاقتها، وينشط القطاع السياحى لتعزيز عملية الإصلاح الاقتصادى والبناء وأهداف التنمية.
من جهته، قال شريف علوى، نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصرى، قال إن أى أحداث سيئة تطرأ على المشهد السياسى المحلى من المؤكد أن تتبعها تداعيات سلبية على المؤشرات الاقتصادية للدولة، انطلاقاً من الترابط القوى بين المناخ السياسى وتداعياته على الاقتصاد الكلى، لافتاً إلى أنه من الطبيعى أن تتأثر السوق على المستوى قصير الأجل بالأحداث التى شهدتها البلاد الأيام القليلة الماضية.
وأضاف أن أبرز القطاعات الأكثر استجابة لتلك الأحداث هى السياحة والاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل، سواء فى سوق تداول الأوراق المالية أو أذون الخزانة الحكومية التى يطرحها البنك المركزى لصالح الحكومة بغرض تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، بخلاف تأثر القطاع السياحى، مما يترجم تراجعاً فى مستوى الدخل من النقد الأجنبى، وبالتالى تتأثر حجم الاحتياطيات الدولية لدى «المركزى»، موضحاً أنه فى حالة استقرار الأوضاع فإن كل تلك الأمور تعاود النمو مرة أخرى.
وطالب علوى الجميع بالاتجاه نحو الاستقرار وخلق مناخ سياسى وأمنى هادئ يكفل توفير المناخ اللازم لدفع عجلة الاقتصاد وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وحول مفاوضات صندوق النقد الدولى، قال علوى إن هناك تخوفات تجاه الحصول على موافقة الصندوق بشكل نهائى خلال الفترة المقبلة إذا ما تطورت الأحداث السياسية بشكل كبير، لكن مع اتجاه الأمور إلى الاستقرار والتوافق السياسى سيدعم ذلك بقوة الحصول على موافقة صندوق النقد الدولى على منح مصر قرضاً تبرز أهميته فى دعم الثقة فى الاقتصاد المحلى، مشيراً إلى أن موقف الصندوق سيكون بالموافقة، طالما كانت أركان الدولة قائمة، ولم يحدث تغيير جذرى فى الوضع السياسى، فهى قرارات استراتيجية وتمتد لسنوات طويلة.
وحول رؤية المستثمرين الأجانب للسوق المصرية، قال علوى إن المستثمرين أعينهم لا تزال على السوق المحلية، ورغم حالة الصراع السياسى، فإنهم يرونها شئوناً داخلية مؤقتة، طالما كان هناك دولة كاملة الأركان ونظام مستقر.
وأضاف أنه قابل عدداً كبيراً من المستثمرين فى آسيا وأوروبا خلال الآونة الأخيرة، وهم يمتلكون استثمارات فى مناطق تشهد ظروفاً مماثلة، مؤكداً أن رؤيتهم للظروف الحالية بأنها مؤقتة، فالمستثمر معنى بثبات النظام فى الدولة وأن يكون واضح المعالم ومستقراً، وليست قضيته الوضع الداخلى والمعارضة.
من جهته أكد ماجد فهمى، رئيس مجلس إدارة البنك المصرى لتنمية الصادرات السابق، أن تأثير الأحداث التى تشهدها مصر حالياً سلبى جداً على مستوى كل القطاعات الاقتصادية لعدة أسباب، من بينها أنها تعطى إشارة للمستثمر الخارجى أو المصرى بأن الدولة لم تستقر بعد، وأنه لا تزال هناك محاذير على الاستثمار فى مصر فى الوقت الراهن، وأن الأوضاع لا تنذر بخير.
وعلى مستوى تأثر الاحتياطى النقدى بالأحداث قال فهمى: «طالما أن عجز الموازنة العامة للدولة لا يزال فى زيادة، فى ظل تراجُع إيرادات القطاعات الرئيسية مثل السياحة وتدفُق الاستثمارات الأجنبية وغيرها، فإن الضغوط على الاحتياطى النقدى الأجنبى تتزايد بشكل واضح جدا»، لافتاً إلى أن هناك دماءً على الأرصفة ووضعاً غير مستقر وانفجارات سياسية من وقت إلى آخر.
وأضاف أن الأوضاع الحالية للبلاد سيئة جداً وأن تبعاته على الأداء الاقتصادى ستطول جميع القطاعات، ومنها إلى الجهاز المصرفى الذى سيعانى خلال الفترة المقبلة من محصلة كل تلك الأحداث.
وأشار إلى أن تأثر أعمال الشركات والمستثمرين سلباً، وأن ارتفاع معدلات المخاطر التشغيلية والوضع الاقتصادى والسياسى يؤثر على البنوك فى النهاية مع استمرار الوضع على نفس وتيرته، حيث ستنكمش مَحافظ الائتمان وزيادة المخصصات، وهو ما ينعكس على هامش الربحية والعائد على حقوق المساهمين.
وتابع أنه لأول مرة فى مصر تحدث حالة انقسام بهذا الشكل المخيف، وهو ما عبرت عنه شرائح عريضة من الجماهير، سواء المؤيدة أو المعارضة للقرارات الرئاسية التى أضرمت جدلاً واسع النطاق بين أبناء الشعب المصرى، كما أن ذلك الانقسام بدا واضحاً على المستوى الدولى بأن هناك إدارة سياسية لم تستطع استيعاب ذلك الوضع أو استيعاب الانقسام، وهى رسالة خطيرة هى الأسوأ من جميع الأحداث والمشكلات التى تخللت المرحلة الانتقالية، وقبل اندلاع الثورة التى وحّدت جموع الشعب.
وأضاف أن الخوف من تجدُّد الاشتباكات التى ظهرت فى ثوب جديد لأول مرة تعرفه مصر فى شكل حرب شوارع يدفع إلى وضع نظرة سلبية على الأداء الاقتصادى المتوقَّع خلال الفترة المقبلة.
وأضاف فهمى أن المسئولية تقع على عاتق الإدارة السياسية للبلاد، ومن المفترض أنها الجهة الوحيدة التى تستطيع استيعاب الموقف، ولا أرى محاولات جادة لتحقيق ذلك، بل أرى أن هناك عنداً وتمسكاً بالموقف، وكان من الممكن تهدئة الأمور من البداية، على عكس ما حدث من تصعيد للأمور.
منير الزاهد رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة، أكد لـ«الوطن»، أنه تم إغلاق فروع البنك القريبة من مواطن الاشتباكات والتجمهرات التى تصاعدت خلال الآونة الأخيرة، ومن بينها فرع البنك القريب من قصر الاتحادية، نافياً حدوث أى تعديات على أىٍّ من فروع البنك.
وأشار الزاهد إلى أن مصرفه أخطر البنك المركزى بقرار إغلاق الفروع القريبة من الأحداث حفاظاً على أرواح وممتلكات العملاء والموظفين والبنك، مؤكداً أن جميع الفروع الأخرى والمقر الرئيسى لمصرفه تقدم كل الخدمات المصرفية كاملة لجميع العملاء بشكل طبيعى ومنتظم، ولم تتأثر بالأحداث التى تشهدها الساحة السياسية.