مدينة «المصب».. أصحاب الأقفاص السمكية يحتلون النهر و«يخرجون لسانهم» للحكومة
مدينة «المصب».. أصحاب الأقفاص السمكية يحتلون النهر و«يخرجون لسانهم» للحكومة
الأقفاص السمكية تحتل نهر النيل فى رشيد
بعد الانتهاء من رصد أوضاع فرع رشيد فى مدينة فوه بكفر الشيخ، تم الاتجاه إلى الشمال لاستكمال الرحلة فى مدينتى «المحمودية» بالبحيرة و«مطوبس» فى كفر الشيخ وأخيراً «رشيد» مدينة المصب، التى تمت تسمية الفرع باسمها. وعلى بُعد أمتار قليلة كوبرى «فوه» العلوى وعلى الجانب الأيسر من النيل توجد محطة مياه شرب تقع على النيل مباشرة، وبعدها بحوالى كيلومتر واحد توجد محطة مياه أخرى فى نفس الجهة.
ويقول سعد الحطاب، أحد سكان مدينة المحمودية: «تعانى قرى المركز من وجود نسب تلوث مرتفعة فى مياه الشرب بسبب اعتمادها على مياه فرع رشيد، ويوجد فى المحمودية محطتان رئيسيتان، الأولى هى محطة سنبادة وتغذى قرى النيال سرنوباى وسنبادة والرياح وعزب عبدالمجيد وعوض كشك، بجانب بعض القرى والعزب الأخرى، أما المحطة الثانية واسمها محطة الشيخ زايد، فتغذى مدينة المحمودية بالكامل، ويجرى الآن إنشاء محطة جديدة بالقرب من المحطة الثانية لمعالجة مياه النيل، لكن المشكلة تكمن فى المصدر الرئيسى للمياه وهو فرع رشيد، إذ تنتشر الأسماك النافقة بكثافة أمام مآخذ هاتين المحطتين، حيث تأخذ الأولى مياهها من النيل مباشرة والثانية تحصل على المياه عن طريق مجرى مائى ينقل المياه من النيل إليها عبر بوابات حديدية»
فنى ديكور: رشيد أكثر مدن مصر تلوثاً لأن مياهها تمر على مدن وقرى كثيرة كلها تلقى مخلفاتها فى النيل
يضيف الحطاب قائلاً إن «الصيادين يخفون الصناديق داخل المياه أمام مركز المحمودية ويتحصلون منها على أرباح ضخمة ويتسببون فى تلوث النيل، رغم أن الكثير من الأهالى يعتمدون على شرب المياه المعدنية ومياه الطلمبات الحبشية، ويستخدمون مياه المحطات الحكومية فى غسيل الملابس والأوانى فقط».
من جهته، قال نبيل الصالحى، شيخ الصيادين فى المحمودية: «فرع رشيد يعانى كل عام فى نفس التوقيت من تلوث المياه نتيجة إلقاء مخلفات مصانع كفر الزيات ومصرف الرهاوى به، فضلاً عن إلقاء الصرف الصحى الخاص بمدن محافظة الجيزة فى المياه، ما تسبب فى تلوث المياه ونفوق الأسماك»،
والأوضاع فى المحمودية بالبحيرة تشبه نفس الأوضاع فى مدينة مطوبس بكفر الشيخ، حيث يفصل فرع رشيد بين محافظتى «البحيرة وكفر الشيخ»، وتُعد مطوبس آخر مدينة فى كفر الشيخ من الناحية الشمالية للمحافظة، ويتم العبور لها من خلال كوبرى معدنى قديم جداً، بالإضافة إلى قناطر إدفينا، حيث تستطيع أن ترى تلوث المياه تحتها بعينيك.
وعلى شاطئ النيل توقف عدد من صيادى مطوبس، لترتيب الغزل والشباك، لكنهم رفضوا الحديث فى البداية «اتكلمنا كتير وما حصلش حاجة»، لكن أحمد محمود، أحد صيادى مركز مطوبس، قال: «الأقفاص السمكية دمرت السمك، وتسببت فى نفوق آلاف الأطنان من أنواع الأسماك المختلفة فى نهر النيل، ولوثت البيئة، وقد بُح صوتنا مطالبين بمنع هذا التلوث لكن لا حياة لمن تنادى».
وفى جنوب مركز مطوبس هناك محطة مياه الشرب الرئيسية التى تأخذ مياهها من النيل مباشرة عبر ماسورتين ضخمتين، ويعلق محمد جعفر، أحد سكان المدينة، على مياه الشرب هناك قائلاً: «المياه دائماً ما تكون معكرة، وبها رواسب سوداء، وإذا شربنا منها نتركها لمدة يومين حتى تترسب هذه الملوثات فى الأسفل، وطبعاً ريحتها وحشة وباينة جداً».
وفى الطريق إلى مدينة رشيد لاحظنا محطة مياه شرب بقرية «الجدية» تحصل على المياه من ترعة صغيرة متفرعة من النيل قبل المدينة بنحو 5 كيلومترات، مياه الترعة عكرة وتميل إلى اللون الأسود، والمأخذ تحيط بها شباك حديدية تحجز الأعشاب والحيوانات النافقة، يقول وليد محمد، أحد سكان القرية: «ميه المحطة وحشة جداً والله، ومحدش بيحب يشرب منها، نفسنا ينقوا الميه عشان خاطر الأطفال بس، الميه بتنزل من الحنفيه سودا، رحنا محطة الميه وقلنا ليهم الميه وحشة قالوا امشوا من هنا ميتنا حلوة»!
أما فى المحطة الأخيرة من رحلة فرع رشيد، فإن الواقع يفرض أمراً صعباً على النيل قبل الوصول إلى نقطة النهاية بحوالى 5 كم، إذ تنتشر أعداد كبيرة من الأقفاص السمكية فى قلب النهر على مرأى ومسمع من المواطنين والمسئولين بطول أكثر من 5 كيلومترات.
وعلى الرغم من تصريحات المهندس أحمد فتحى، رئيس قطاع حماية وتطوير النيل، عن نية الحكومة إزالة 1000 قفص سمكى من فرع رشيد بمحافظتى كفر الشيخ والبحيرة بعد الاتفاق بين الوزارات المعنية على إزالة الأقفاص السمكية من النيل، لأن وجودها مخالف للقوانين والتشريعات المنظمة، فإن هذه التصريحات لا تزال حبراً على ورق، إذ تحتل الأقفاص السمكية أجزاء كبيرة من النيل بمدينة رشيد، حيث تبرز «الجراكن» البلاستيكية العائمة عن بعد، مع أكشاك التأمين العائمة أيضاً على سطح المياه، ويقيم فيها أصحاب هذه الأقفاص بصفة دائمة خوفاً من سرقة الأسماك التى تعيش داخلها.
محمد صابر، فنى ديكور، يقول: «مدينة رشيد من أكثر مدن مصر تلوثاً، لأن المياه الواردة لها تمر على مدن وقرى كثيرة كلها تلقى بمخلفاتها فى النيل، بالإضافة إلى مخلفات الأقفاص السمكية والأعلاف المقدمة إليها، ونحن هنا فى رشيد لا نعتمد على مياه الشرب الواردة من محطة مياه الجدية جنوب المدينة لأنها غير صالحة للشرب، لذلك يلجأ الكثير من الأهالى إلى المياه المعدنية وفلاتر المياه فى الشرب»، موضحاً أن «جميع الأقفاص السمكية الموجودة داخل النيل أمام المدينة غير مصرح بها ووجودها غير قانونى». وقبل التقاء فرع رشيد بالنيل يشتكى سكان قرية «برج رشيد» أيضاً من تلوث مياه الشرب، وطول فترة انقطاعها بسبب التلوث، ويقول حسام حميدة، أحد سكان القرية: «الأقفاص السمكية مخالفة، لكن الحكومة تتساهل مع أصحابها بحجة أنها تقع خلف قناطر إدفينا وبعد محطة شرب مياه الجدية، لذلك يعتقدون أنها لا تسبب تلوثاً للنيل ويظنون أن هذه الأسماك تنقى المياه على غير الحقيقة، إذ تترسب الملوثات فى قاع النهر وعلى جوانبه أيضاً، وللعلم، فإن مدير الصحة فى رشيد قام بتقديم شكوى فى شركة المياه بسبب تلوث ماء الشرب، لكن الشكوى لم تلق أى اهتمام».
كما أن مصب نهر فرع رشيد بالبحر الأبيض المتوسط يعانى أيضاً مثل مجراه بطول أكثر من 250 كيلومتراً، إذ تسلك مراكب الصيد التى تدخل وتخرج من النيل طريقاً واحداً فى وسط النيل خوفاً من اصطدامها بالرمال والطين فى قاع النهر الضحل الذى لم يتعرض للتعميق منذ سنوات طويلة، حسب ما يقول جمال عيش، أحد صيادى «رشيد».
ويضيف «عيش» قائلاً: «منذ أيام قليلة اصطدم مركب صيد قادم من البحر ليلاً أثناء نوة بحرية قوية برمال قاع النهر وغرق 4 أشخاص كانوا على متنه ولم ينج منهم سوى 3 صيادين فقط، المراكب كلها عارفة المسار ده ولو المركب مشيت فى أى حتة تانية هتغرق على طول، وتستطيع رؤية الرمال والقاع بسهولة كبيرة جداً، ومع ذلك تأخرت عملية انتشال المركب واستخراج الجثث لمدة 5 أيام، وقامت مراكب الصيد بمحاولة البحث عن الجثث بنفسها بسبب تأخر فرق الإنقاذ الحكومية». يشار إلى أنه تم تدعيم جوانب مصب فرع رشيد بالكتل الخرسانية بعد تعرضها للنحر وتآكلها فى الفترة الأخيرة، لكن لم يتم تعميق المدخل الذى تدخل وتخرج منه الكثير من سفن الصيد الكبيرة إلى البحر يومياً.