«محمد»: هاجمتنا ثعابين وعقارب سامة وانطبقت الحفرة على ضلوعنا قبل الوصول للخبيئة بأمتار
«محمد»: هاجمتنا ثعابين وعقارب سامة وانطبقت الحفرة على ضلوعنا قبل الوصول للخبيئة بأمتار
بقايا مقبرة منهوبة فى أسوان
شعر أبيض كثيف وتجاعيد خفيفة بدأت ترسم ملامح الشقاء على وجه «محمد»، الشاب الذى لم يتجاوز عمره الـ31 عاماً فقط «اللى شفته كثير» قالها «محمد» بمرارة، مبرراً الهم الذى أصبح ملازماً لتفاصيل وجهه، كانت البراءة عنواناً له «الفقر صعب، والأصعب أن تكون مسئولاً عن عائلة فيها أطفال ونساء كبار السن، ولا تستطيع الصرف عليهم بعدما توقفت السياحة، وما عشته خلال ستة أشهر من الأهوال فى حفر سراديب الآثار، كفيل بكسر كل شىء جميل بداخلى، 6 أشهر شفت فيها الويل وكل أنواع الرصد والرعب فى رحلة البحث عن الكنز».
انهالت الرمال ودفنت أحد العمال بالكامل بعد أن عثرنا على جماجم وعظام على عمق 14 متراً
ستة أشهر قضاها «محمد» وأبناء عمومته فى رحلة الأهوال بحثاً عن الكنز وبعدما وصلوا لعمق 14 متراً وهاجمهم كل أنواع الرصد قرروا التوقف وردم الحفرة على حلمهم. حكى الشاب الأسوانى رحلته للوصول للثروة قائلاً: «بعد الثورة لم نجد العيش الحاف ليأكله أولادنا، فالسياحة ماتت تماماً، والدنيا ضاقت بنا، فكان التنقيب عن الآثار هو الأمل بالنسبة لنا حتى يجد أولادنا ما يأكلون».. خرجت تلك الكلمات بلهجة حزينة من «محمد»، وهو يحكى لـ«الوطن» عن بداية عمله فى التنقيب عن الآثار داخل منزله فى أسوان.
«الصدفة» وحدها قادت الشاب الثلاثينى إلى التنقيب عن الآثار، على حد قوله: «فى البداية كنت أعتبر أن التنقيب عن الآثار وهم كبير، فهى لا تخرج إلا للموعودين، لكن فى أحد الأيام كانت والدتى تغسل فى حوش المنزل، وعندما عدت إلى المنزل طلبت منى إصلاح خرطوم الغسالة لها، فنزلت على الأرض، وعندها فوجئت بأن مياه الغسيل تتسرب إلى حفرة صغيرة، كانت تبتلع كل ما نلقيه فيها من مياه».
وأضاف: «بدأنا فى خلع البلاط واحدة تلو الأخرى، بحثاً عن المكان الذى تتسرب إليه المياه، ثم بدأنا نحفر بملاعق الأكل، وبعدها بشاكوش صغير، وبدأت الحفرة تكبر معانا، فأكملنا الحفر مع أهلنا، ومع الوقت كبر الأمل لدينا، لأننا نعرف أن الكثير من الناس اغتنت صدفة، بعدما وصلت إلى تلك الكنوز الموجودة تحت الأرض، سواء الذهب أو الحجر الفرعونى».
وبدأ الشاب فى الاتصال بعدد آخر من أقاربه، الذين تركوا أعمالهم على أمل أن يحققوا حلم الثراء، يقول الشاب: «الحلم الجميل فى الثراء كان يراودنا جميعاً، وبدأنا فى إبعاد أهلنا عن المنزل، واستئجار آخر مقابل 500 جنيه شهرياً، ثم بدأنا نفكر فى طرق اقتسام ما قد نجده من آثار بين العائلة، واتفقنا على إخراج حق الله للغلابة والمحتاجين». كانت الأحلام تلازم شباب العائلة حتى فى اليقظة، حسبما يقول «محمد»، خاصة أن معظمهم أصبح عاطلاً بعدما ضربت السياحة عقب الثورة، وأوضح: «كنا نحلم بأن نصبح فجأة من أصحاب الملايين، مثل كثيرين فى أسوان اغتنوا فجأة، رغم أننا نعرف أصلهم، وأنهم وصلوا إلى أسوان بلا زاد أو عتاد»، مضيفاً: «كنا نعمل على مدار شهر كامل، ولم نكن نخرج إلا لشراء الأكل والزاد، وهو الفول والمش والعيش الجاف، وكنا نشترى كميات كبيرة من الطعام، حتى لا نخرج من البيت إلا مرات قليلة، وحتى لا تلمحنا عيون الجيران».
«وبعد العمل على مدار شهر كامل بدأت تظهر فى السرداب أشكال جديدة بعدما وصلنا إلى عمق 3 أمتار من الحفر، وجدنا غرفة مبنية بالطوب، ففرحنا، رغم أننا لم نعرف كيف نفتحها، لأننا لم يكن معنا خبير أو شيخ ليدلنا على المكان الصحيح، قمنا بكسر إحدى الحوائط، وفكها طوبة وراء أخرى، حتى نجحنا فى فتح شباك صغير، وعند النظر داخلها، وجدنا صخوراً جرانيتية كبيرة موضوعة على طوب صغير جداً، ولو تحرك أى منها كانت الغرفة ستنهار على من فيها، لكن فى تلك المرحلة كانت تمر علينا لحظات صعبة مرة وجدنا الحفر تدور بنا ونشعر بالاختناق الشديد، وفى مرة أخرى شعر أحد أبناء عمى وكان يحفر معنا أن الحفرة تغلق عليه وجدرانها الأسطوانية تطبق على جسده وكنا نصرخ ثم نبدأ فى قراءة القرآن بصوت عالٍ».
فى هذه المرحلة شعرنا أن الأمر دخل فى الجد، قالها «محمد» ويده بدأت فى الارتعاش وهو يستعيد تفاصيل ما حدث: «بعد شهر من العمل المتواصل ليل نهار، ومع بداية المصاعب والمهالك، قررنا أن نبحث عن أحد الخبراء فى هذا المجال، ليدخل معنا فى العملية، وعلى رأى المثل ادى العيش لخبازه ولو أكل نصه، وبالفعل بدأنا البحث عن ناس ثقة تعمل فى هذا المجال، واقترح علينا أحد حكماء العائلة الاستعانة بشخص يدعى س. س». وأضاف: «جلسنا مع الرجل الذى سيكمل معنا العملية، وبعد ساعتين من التفاوض، اتفقنا على أننا لن نختلف، وأنه سيأتى بشيخ ليساعده، وكان معه مدير أعماله الذى أتى بدليل ليرى المكان، وقاله إنه ملىء بالخير، وبه شواهد كثيرة تدل على وجود كنوز وآثار تماثيل حجرية وذهبية فيه، واتفقنا على أن يصرف هو على العملية، وأن نعمل نحن كعمال، حتى لا نأتى بغرباء، على أن نقسم الناتج بيننا، فيحصل الرجل والشيخ على الثلث، وأصحاب المنزل على الثلث، والباقى للعمال».
ورغم التفاؤل الذى رافق دخول «س. س» والشيخ المرافق له فى العملية، إلا أن المعاناة استمرت، فبدأ العمال يحفرون بقوة أكبر، مع توافر المعدات ووجبات الطعام لهم، ويقول الشاب: «استمر العمل طوال 3 شهور أخرى، حتى وصلنا إلى عمق 14 متراً، ووجدنا طبقات أرضية غريبة، ودلائل حفرية وصخرية، ما كان يعطينا الأمل، وكل فترة كان يأتى أحد الشيوخ، ثم يتابعنا بالتليفون، ويقول لنا ادخلوا أو أوقفوا، وبعد فترة قررنا أن نختبر الشيخ، فجلسنا فى منزل آخر، وكلمناه لنسأله عن طريقة الدخول، فقال ادخلوا يمين بعد مترين، وطلب منا أن نحترس من حائط وحجر دائرى، ووقتها علمنا أنه نصاب».
وعندما شعر العمال بالخطر، توقفوا عن الحفر لمدة أسبوع، طلبوا من «س. س»، الذى يصرف على المكان، أن يأتى بشيخ آخر، ما حدث بالفعل، ويقول الشاب: «جاء الشيخ الجديد، الذى كان ينزل بنفسه معنا، ودخلنا غرفة، فوجدنا داخلها جماجم وعظاماً، وواجهنا مهالك هندسية، فالرمال بدأت تنهال علينا من كل مكان، لدرجة أن أحد العمال دفن بالكامل، لكننا نجحنا فى إنقاذه».
بلع «محمد» ريقه وصمت لتهدأ أنفاسه المتسارعة وكأنه يذكر لحظات الرعب: «بعد هذا الموقف كان الرعب تملك منا، جلسنا مع الشيخ وشرح لنا أن هناك تمثالاً ذهبياً على بعد 15 متراً، اقتربنا منه لكن الرصد الخاص به صعب جداً وهناك مهالك هندسية يمكن أن تودى بحياتنا جميعاً، وأضاف: لكن على بعد سبعة أمتار هناك عدة تماثيل صغيرة أنتم تجاوزتموها يمكن أن تعودوا إليها والحصول عليها أسهل، اقتنعنا بكلام الرجل، وبدأت محاولات ردم الحفرة وعند عمق الـ7 أمتار، وعند محاولتنا الحفر يساراً لنصل للتماثيل القريبة جداً منا هاجمتنا عقارب وثعابين سامة»، صمت «محمد» عن الكلام، وضع رأسه بين راحتى كفيه محاولاً نسيان ما حدث، احترمنا صمت الرجل، بعد لحظات عاد للحكى بصوت متهدج: «كانت لحظات مرعبة؛ تخيل أنت فى حفرة عمقها 7 أمتار وقطرها حوالى متر ونصف المتر وتهاجمك من كل ناحية عقارب وثعابين لا تعلم من أين أتت ولا كيف تهرب كانت لحظات صعبة لكننا والحمد لله خرجنا من الحفرة دون أية أضرار كنا 3 أنا واثنان من أبناء عمى وعند تلك المرحلة كان قرارنا النهائى لن نعود ثانية لهذه الحفرة وتنازلنا عن حلم الثروة ودفناه مع الحفرة، كانت الأهوال التى وجدناها أكبر من أى حلم».